الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما مكان ذبح الهدي فالحرم عندنا .

                                                                                                                                وقال : الشافعي : له أن يذبح في الموضع الذي أحصر فيه ، احتج بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر الهدي عام الحديبية ، ولم يبلغنا أنه نحر في الحرم ; ولأن التحلل بالهدي ثبت رخصة وتيسيرا .

                                                                                                                                وذلك في الذبح في أي موضع كان ولنا قوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } ولو كان كل موضع محلا له لم يكن لذكر المحل فائدة ، ولأنه عز وجل قال : { ثم محلها إلى البيت العتيق } أي : إلى البقعة التي فيها البيت .

                                                                                                                                بخلاف قوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } أن المراد منه نفس البيت ; لأن هناك ذكر بالبيت وههنا ذكر إلى البيت .

                                                                                                                                وأما ما روي من الحديث فقد روي في رواية أخرى أنه نحر هديه عام الحديبية في الحرم ، فتعارضت الروايات ، فلم يصح الاحتجاج به .

                                                                                                                                وعن ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الحديبية فحال المشركون بينه وبين دخول مكة فجاء [ ص: 180 ] سهيل بن عمرو يعرض عليه الصلح وأن يسوق البدن وينحر حيث شاء ، فصالحه رسول الله صلى الله عليه وسلم } ولا يحتمل أن ينحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه في الحل مع إمكان النحر في الحرم ، وهو بقرب الحرم بل هو فيه .

                                                                                                                                وروي عن مروان والمسور بن مخرمة قالا : { نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية في الحل وكان يصلي في الحرم ، } فهذا يدل على أنه كان قادرا على أن ينحر بدنه في الحرم حيث كان يصلي في الحرم ، ولا يحتمل أن يترك نحر البدن في الحرم ، وله سبيل النحر في الحرم ; ولأن الحديبية مكان يجمع الحل والحرم جميعا ، فلا يحتمل أن ينحر في الحل مع كونه قادرا على النحر في الحرم ، ولو حل من إحرامه على ظن أنهم ذبحوا عنه في الحرم ثم ظهر أنهم ذبحوا في غير الحرم فهو على إحرامه ، ولا يحل منه إلا بذبح الهدي في الحرم لفقد شرط التحلل ، وهو : الذبح في الحرم ، فبقي محرما كما كان وعليه لإحلاله في تناوله محظورات إحرامه دم لما قلنا .

                                                                                                                                وكذلك لو بعث الهدي وواعدهم أن يذبحوا عنه في الحرم في يوم بعينه ، ثم حل من إحرامه على ظن أنهم ذبحوا عنه فيه ، ثم تبين أنهم لم يذبحوا ، فإنه يكون محرما لما قلنا .

                                                                                                                                ولو بعث هديين وهو مفرد فإنه يحل من إحرامه بذبح الأول منهما ، ويكون الآخر تطوعا لوجود شرط الحل عند وجود ذبح الأول منهما .

                                                                                                                                ولو كان قارنا لا يحل إلا بذبحهما ولا يحل بذبح الأول ; لأن شرط الحل في حقه الزمان ، فما لم يوجدا لا يحل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية