( فصل ) :
وأما الثاني ، فشرط بقاء النكاح لازما نوعان : نوع يتعلق بالزوج في نكاح زوجته ، ونوع يتعلق بالمولى في نكاح أمته أما .
، فعدم تمليكه الطلاق منها أو من غيرها بأن يقول لامرأته اختاري أو أمرك بيدك ينوي الطلاق أو طلقي نفسك أو أنت طالق إن شئت أو يقول لرجل طلق امرأتي إن شئت كذا عدم التطليق بشرط ، والإضافة إلى وقت ; لأنه بالتمليك جعل النكاح بحال لا يتوقف زواله على اختياره بعد الجعل . الذي يتعلق بالزوج في نكاح زوجته
وكذا بالتعليق ، والإضافة ، وهذا معنى عدم بقاء النكاح لازما .
( وأما ) .
، فهو أن لا يعتق أمته المنكوحة حتى لو أعتقها لا يبقى العقد لازما ، وكان لها الخيار ، وهو المسمى بخيار العتاقة . الذي يتعلق بالمولى في نكاح أمته
والكلام فيه في مواضع في بيان شرط ثبوت هذا الخيار ، وفي بيان وقت ثبوته ، وفي بيان ما يبطل به .
أما الأول فلثبوت هذا الخيار شرائط منها : وجود النكاح وقت الإعتاق حتى لو أعتقها ، ثم زوجها من إنسان ، فلا خيار لها لانعدام النكاح وقت الإعتاق .
ولو أعتقها ، ثم زوجها ، وهي صغيرة ، فلها خيار البلوغ لا خيار العتق لما قلنا ، ومنها أن يكون التزويج نافذا حتى لو ، فلا خيار لها ، وأما كون الزوج رقيقا وقت الإعتاق ، فهل هو شرط ثبوت الخيار لها ؟ قال أصحابنا : ليس بشرط ، ويثبت الخيار لها سواء كان زوجها حرا أو عبدا . زوجت الأمة نفسها من إنسان بغير إذن مولاها ، ثم أعتقها المولى
وقال : شرط ، ولا خيار لها إذا كان زوجها حرا ، واحتج بما روي عن الشافعي رضي الله عنها أنها قالت { عائشة بريرة كان عبدا ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حرا ما خيرها } ، وهذا نص في الباب ، والظاهر أنها إنما قالت ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ولأن الخيار في العبد إنما ثبت لدفع الضرر ، وهو ضرر عدم الكفاءة وضرر لزوم نفقة الأولاد وضرر نقصان المعاشرة لكون العبد مشغولا بخدمة المولى ، وشيء من ذلك لم يوجد في الحر ، فلا يثبت الخيار ( ولنا ) ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه { زوج لبريرة حين أعتقت ملكت بضعك ، فاختاري } . قال
وروي ملكت أمرك ، وروي ملكت نفسك ، والاستدلال به من وجهين : أحدهما بنصه ، والآخر بعلة النص أما الأول : فهو أنه خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أعتقت ، وقد روي أن زوجها كان حرا ، فإن قيل روينا عن رضي الله عنها أن زوجها كان عبدا ، فتعارضت الروايتان ، فسقط الاحتجاج بهما ، فالجواب أن ما روينا مثبت للحرية ، وما رويتم مبق للرق ، والمثبت أولى ; لأن البقاء قد يكون باستصحاب الحال ، والثبوت يكون بناء على الدليل لا محالة ، فمن قال : كان عبدا احتمل أنه اعتمد استصحاب الحال . عائشة
ومن قال : كان حرا بنى الأمر على الدليل لا محالة ، فصار كالمزكيين جرح أحدهما شاهدا ، والآخر زكاه أنه يؤخذ بقول الجارح لما قلنا كذا هذا ; ولأن ما روينا موافق للقياس ، وما رويتم مخالف له لما نذكره إن شاء الله تعالى ، فالموافق للقياس أولى .
( وأما ) الثاني ، فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ملكها بضعها أو أمرها أو نفسها علة لثبوت الخيار لها ; لأنه أخبر أنها ملكت بضعها ، ثم أعقبه بإثبات الخيار لها بحرف التعقيب ، وملكها نفسها مؤثر في رفع الولاية في الجملة ; لأن الملك اختصاص ، ولا اختصاص مع ولاية الغير ، والحكم إذا ذكر عقيب وصف له أثر [ ص: 329 ] في الجملة في جنس ذلك الحكم في الشرع كان ذلك تعليقا لذلك الحكم بذلك الوصف في أصول الشرع كما في قوله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ، وقوله عز وجل { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } ، وكما روي { } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سها ، فسجد
وروي أن ماعزا زنى ، فرجم ، ونحو ذلك ، والحكم يتعمم بعموم العلة ، ولا يتخصص بخصوص المحل كما في سائر العلل الشرعية ، والعقلية ، وزوج بريرة ، وإن كان عبدا ; لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما بنى الخيار فيه على معنى عام وهو ملك البضع يعتبر عموم المعنى لا خصوص المحل ، والله الموفق ; ولأن بالإعتاق يزداد ملك النكاح عليها ; لأنه يملك عليها عقدة زائدة لم يكن يملكها قبل الإعتاق بناء على أن الطلاق بالبناء على أصل أصحابنا ، والمسألة ، فريعة ذلك الأصل ، ولها أن لا ترضى بالزيادة ; لأنها تتضرر بها ، ولها ولاية رفع الضرر عن نفسها ، ولا يمكنها رفع الزيادة إلا برفع أصل النكاح ، فبقيت لها ولاية رفع النكاح ، وفسخه ضرورة رفع الزيادة ، وقد خرج الجواب عن قوله أنه لا ضرر فيه لما بينا من وجه الضرر ; ولأنه لو لم يثبت لها الخيار ، وبقي النكاح لازما لأدى ذلك إلى أن يستوفي الزوج منافع بضع حرة جبرا ببدل استحقه غيرها بالعقد ، وهذا لا يجوز كما لو كان الزوج عبدا ; ولأن القول ببقاء هذا النكاح لازما يؤدي إلى استيفاء منافع بضع الحرة من غير بدل تستحقه الحرة ، وهذا لا يجوز ; لأنها لا ترضى باستيفاء منافع بضعها إلا ببدل تستحقه هي ، فلو لم يثبت الخيار لها لصار الزوج مستوفيا منافع بضعها ، وهي حرة جبرا عليها من غير رضاها ببدل استحقه مولاها ، وهذا لا يجوز ; لهذا المعنى ثبت لها الخيار إذا كان زوجها عبدا كذا إذا كان حرا .
وكذا اختلف في أن كونها رقيقة وقت النكاح هل هو شرط أم لا ؟ قال : ليس بشرط ، ويثبت لها الخيار سواء كانت رقيقة وقت النكاح ، فأعتقها المولى أو كانت حرة وقت النكاح ، ثم طرأ عليها الرق ، فأعتقها حتى أن أبو يوسف ، فلها الخيار عنده . الحربية إذا تزوجت في دار الحرب ، ثم سبيا معا ، ثم أعتقت
وقال : هو شرط ، ولا خيار لها . محمد
وكذا ، فهو على هذا الاختلاف ، المسلمة إذا تزوجت مسلما ، ثم ارتدا ، ولحقا بدار الحرب ، ثم سبيت ، وزوجها معها فأسلما ، ثم أعتقت الأمة ، فرق بين الرق الطارئ على النكاح ، وبين المقارن إياه ، فمحمد سوى بينهما وجه الفرق وأبو يوسف أنها إذا كانت رقيقة وقت النكاح ، فالنكاح ينعقد موجبا للخيار عند الإعتاق ، وإذا كانت حرة ; فنكاح الحرة لا ينعقد موجبا للخيار ، فلا يثبت الخيار بطريان الرق بعد ذلك ; لأنه لا يوجب خللا في الرضا ، لمحمد أن الخيار يثبت بالإعتاق ; لأن زيادة الملك تثبت به ; لأنها توجب العتق ، والعتق موجب الإعتاق ، ولا يثبت بالنكاح ; لأن النكاح السابق ما انعقد موجبا للزيادة ; لأنه صادف الأمة ، ونكاح الأمة لا يوجب زيادة الملك ، فالحاصل أن ولأبي يوسف يجعل زيادة الملك حكم الإعتاق ، أبا يوسف يجعلها حكم العقد السابق عند وجود الإعتاق ، وعلى هذا الأصل يخرج قول ومحمد أن خيار العتق يثبت مرة بعد أخرى ، وقول أبي يوسف أنه لا يثبت إلا مرة واحدة حتى لو أعتقت الأمة ، فاختارت زوجها ، ثم ارتد الزوجان معا ، ثم سبيت ، وزوجها معها ، فأعتقت ، فلها أن تختار نفسها عند محمد ، وعند أبي يوسف ليس لها ذلك ; لأن عند محمد الخيار ثبت بالإعتاق ، وقد تكرر الإعتاق ، فيتكرر الخيار ، وعند أبي يوسف يثبت بالعقد ، وأنه لم يتكرر ، فلا يثبت إلا خيار واحد . محمد