( فصل ) :
ومنها ، فيقع الكلام في هذا الشرط في أربعة مواضع : . كفاءة الزوج في إنكاح المرأة الحرة البالغة العاقلة نفسها من غير رضا الأولياء بمهر مثلها
أحدها : في بيان أن الكفاءة في باب النكاح هل هي شرط لزوم النكاح في الجملة ؟ أم لا ؟ .
والثاني : في بيان النكاح الذي الكفاءة من شرط لزومه ، والثالث : في بيان ما تعتبر فيه الكفاءة ، والرابع : في بيان من يعتبر له الكفاءة ، أما الأول : فقد قال عامة العلماء : أنها شرط .
وقال : ليست بشرط أصلا ، وهو قول الكرخي ، مالك ، وسفيان الثوري ، واحتجوا بما روي { والحسن البصري أن أبا طيبة خطب إلى بني بياضة ، فأبوا أن يزوجوه فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم أنكحوا أبا طيبة إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض ، وفساد كبير } .
وروي أن { رضي الله عنه خطب إلى قوم من الأنصار ، فأبوا أن يزوجوه ، فقال له رسول الله : صلى الله عليه وسلم قل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني بلالا } أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتزويج عند عدم الكفاءة .
ولو كانت معتبرة لما أمر ; لأن التزويج من غير كفء غير مأمور به .
{ } ، وهذا نص ; ولأن الكفاءة لو كانت معتبرة في الشرع لكان أولى الأبواب بالاعتبار بها باب الدماء ; لأنه يحتاط فيه ما لا يحتاط في سائر الأبواب ، ومع هذا لم يعتبر حتى يقتل الشريف بالوضيع ، فههنا أولى ، والدليل عليه أنها لم تعتبر في جانب المرأة ، فكذا في جانب الزوج . وقال : صلى الله عليه وسلم ليس لعربي على عجمي ، فضل إلا بالتقوى
( ولنا ) ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } ، ولأن مصالح النكاح تختل عند عدم الكفاءة ; لأنها لا تحصل إلا بالاستفراش ، والمرأة تستنكف عن استفراش غير الكفء ، وتعير بذلك ، فتختل المصالح ; ولأن الزوجين يجري بينهما مباسطات في النكاح لا يبقى النكاح بدون تحملها عادة ، والتحمل من غير الكفء أمر صعب يثقل على الطباع السليمة ، فلا يدوم النكاح مع عدم الكفاءة ، فلزم اعتبارها ، ولا حجة لهم في الحديثين ; لأن الأمر بالتزويج يحتمل أنه كان ندبا لهم إلى الأفضل ، وهو اختيار الدين ، وترك الكفاءة فيما سواه ، والاقتصار عليه ، وهذا لا يمنع جواز الامتناع . لا يزوج النساء إلا الأولياء ، ولا يزوجن إلا من الأكفاء ، ولا مهر أقل من عشرة دراهم
وعندنا الأفضل اعتبار الدين ، والاقتصار عليه ، ويحتمل أنه كان أمر إيجاب أمرهم بالتزويج منهما مع عدم الكفاءة تخصيصا لهم بذلك كما خص أبا طيبة بالتمكين من شرب دمه صلى الله عليه وسلم وخص بقبول شهادته ، وحده ، ونحو ذلك ، ولا شركة في موضع الخصوصية حملنا الحديثين على ما قلنا توفيقا بين الدلائل . خزيمة
وأما الحديث الثالث ، فالمراد به أحكام الآخرة إذ لا يمكن حمله على أحكام الدنيا لظهور فضل العربي على العجمي في كثير من أحكام الدنيا ، فيحمل على أحكام الآخرة ، وبه نقول ، والقياس على القصاص غير سديد ; لأن القصاص شرع لمصلحة الحياة ، واعتبار الكفاءة فيه يؤدي إلى تفويت هذه المصلحة ; لأن كل أحد يقصد قتل عدوه الذي لا يكافئه ، فتفوت المصلحة المطلوبة من القصاص ، وفي اعتبار الكفاءة في باب النكاح تحقيق المصلحة المطلوبة من النكاح من الوجه الذي بينا ، فبطل الاعتبار .
وكذا الاعتبار بجانب المرأة لا يصح أيضا ; لأن الرجل لا يستنكف عن استفراش المرأة الدنيئة ; لأن الاستنكاف عن المستفرش لا عن المستفرش ، والزوج مستفرش ، فيستفرش الوطيء والخشن .