عندنا حتى لو اشترك جماعة من المحرمين في قتل صيد يجب على كل واحد منهم جزاء كامل عند أصحابنا . ويستوي في وجوب كمال الجزاء بقتل الصيد حال الانفراد والاجتماع
وعند يجب عليهم جزاء واحد وجه قوله أن المقتول واحد فلا يضمن إلا بجزاء واحد ، كما إذا قتل جماعة رجلا واحدا خطأ أنه لا تجب عليهم إلا دية واحدة وكذا جماعة من المحللين إذا قتلوا صيدا واحدا في الشافعي الحرم لا يجب عليهم إلا قيمة واحدة كذا هذا ، ولنا قوله تعالى { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } وكلمة من تتناول كل واحد من القاتلين على حياله كما في قوله عز وجل { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } وقوله تعالى { ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا } وقوله عز وجل { ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر } ، وأقرب المواضع قوله عز وجل { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } حتى يجب على كل واحد من القاتلين خطأ كفارة على حدة ، ولا تلزمه الدية أنه لا يجب عليهم إلا دية واحدة ، لأن ظاهر اللفظ وعمومه يقتضي وجوب الدية على كل واحد منهم ، وإنما عرفنا وجوب دية واحدة بالإجماع ، وقد ترك ظاهر اللفظ بدليل [ ص: 203 ] ، نظر إلى المحل فقال المحل وهو المقتول متحد فلا يجب إلا ضمان واحد وأصحابنا نظروا إلى الفعل فقالوا الفعل متعدد فيتعدد الجزاء ونظرنا أقوى ; لأن الواجب جزاء الفعل لأن الله تعالى سماه جزاء بقوله { والشافعي فجزاء مثل ما قتل من النعم } والجزاء يقابل الفعل لا المحل .
وكذا سمى الواجب كفارة بقوله عز وجل { أو كفارة طعام مساكين } ، والكفارة جزاء الجناية بخلاف الدية فإنها بدل المحل فتتحد باتحاد المحل وتتعدد بتعدده ، وهو الجواب عن صيد الحرم ; لأن ضمانه يشبه ضمان الأموال ; لأنها تجب بالجناية على الحرم ، والحرم واحد فلا تجب إلا قيمة واحدة ولو قتل صيدا معلما ، كالبازي والشاهين والصقر والحمام الذي يجيء من مواضع بعيدة ونحو ذلك يجب عليه قيمتان : قيمته معلما لصاحبه بالغة ما بلغت وقيمته غير معلم حقا لله ; لأنه جنى على حقين : حق الله تعالى وحق العبد ، والتعليم وصف مرغوب فيه في حق العباد ; لأنهم ينتفعون بذلك ، والله عز وجل يتعالى عن أن ينتفع بشيء ، ولأن الضمان الذي هو حق الله تعالى يتعلق بكونه صيدا ، وكونه معلما وصف زائد على كونه صيدا فلا يعتبر ذلك في وجوب الجزاء ، وقد قالوا في الحمامة المصوتة أنه يضمن قيمتها مصوتة في رواية وفي رواية غير مصوتة .
وجه الرواية الأولى أن كونها مصوتة من باب الحسن والملاحة ، والصيد مضمون بذلك كما لو قتل صيدا حسنا مليحا له زيادة قيمة تجب قيمته على تلك الصفة ، وكما لو قتل حمامة مطوقة أو فاختة مطوقة .
وجه الرواية الأخرى وعلى نحو ما ذكرنا أن كونها مصوتة لا يرجع إلى كونه صيدا فلا يلزم المحرم ضمان ذلك ، وهذا يشكل بالمطوقة والصيد الحسن المليح ولو أخذ بيض صيد فشواه أو كسره فعليه قيمته يتصدق به ; لما روي عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم حكموا في بيض النعامة بقيمته ; ولأنه أصل الصيد إذ الصيد يتولد منه فيعطى له حكم الصيد احتياطا ، فإن شوى بيضا أو جرادا فضمنه لا يحرم أكله ولو أكله أو غيره حلالا كان أو محرما لا يلزمه شيء بخلاف الصيد الذي قتله المحرم أنه لا يحل أكله .
ولو أكل المحرم الصائد منه بعد ما أدى جزاءه يلزمه قيمة ما أكل في قول ; لأن الحرمة هناك لكونه ميتة لعدم الذكاة لخروجه عن أهلية الذكاة ، والحرمة ههنا ليست لمكان كونه ميتة ; لأنه لا يحتاج إلى الذكاة فصار كالمجوسي إذا شوى بيضا أو جرادا أنه يحل أكله كذا هذا ، فإن كسر البيض فخرج منه فرخ ميت فعليه قيمته حيا يؤخذ فيه بالثقة . أبي حنيفة
وقال : عليه نصف عشر قيمته واعتبره بالجنين ; لأن ضمانه ضمان الجنايات ، وفي الجنين نصف عشر قيمته كذا فيه ، ولنا أن الفرخ صيد ; لأنه يفرض أن يصير صيدا فيعطى له حكم الصيد ، ويحتمل أنه مات بكسره ، ويحتمل أنه كان ميتا قبل ذلك ، وضمان الصيد يؤخذ فيه بالاحتياط ; لأنه وجب حقا لله تعالى ، وحقوق الله تعالى يحتاط في إيجابها ، وكذلك إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ثم ماتت الظبية فعليه قيمتهما يؤخذ في ذلك كله بالثقة ، أما قيمة الأم فلأنه قتلها . مالك
وأما قيمة الجنين ; فلأنه يحتمل أنه مات بفعله ، ويحتمل أنه كان ميتا فيحكم بالضمان احتياطا فإن قتل ظبية حاملا فعليه قيمتها حاملا ; لأن الحمل يجري مجرى صفاتها وحسنها وملاحتها وسمنها ، والصيد مضمون بأوصافه ولو حلب صيدا فعليه ما نقصه الحلب ; لأن اللبن جزء من أجزاء الصيد فإذا نقصه الحلب ، يضمن كما لو أتلف جزءا من أجزائه كالصيد المملوك .