فصل الغربة
قال شيخ الإسلام : باب الغربة قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم .
استشهاده بهذه الآية في هذا الباب يدل على رسوخه في العلم والمعرفة وفهم القرآن ، فإن الغرباء في العالم هم أهل هذه الصفة المذكورة في الآية ، وهم الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980632nindex.php?page=treesubj&link=29411_30206بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء ، قيل : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي ، عن
زهير بن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن حنطب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15255المطلب بن حنطب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
طوبى للغرباء ، قالوا : [ ص: 185 ] يا رسول الله ، ومن الغرباء ؟ قال : الذين يزيدون إذا نقص الناس .
فإن كان هذا الحديث بهذا اللفظ محفوظا لم ينقلب على الراوي لفظه وهو : الذين ينقصون إذا زاد الناس فمعناه : الذين يزيدون خيرا وإيمانا وتقى إذا نقص الناس من ذلك ، والله أعلم .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي الأحوص ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980634إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء ، قيل : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : النزاع من القبائل .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980635قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده طوبى للغرباء ، قيل : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : ناس صالحون قليل في ناس كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم .
وقال
أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15459الهيثم بن جميل ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17023محمد بن مسلم ، حدثنا
عثمان بن عبد الله ، عن
سليمان بن هرمز ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال :
إن أحب شيء إلى الله الغرباء ، قيل : ومن الغرباء ؟ قال : الفرارون بدينهم ، يجتمعون إلى عيسى ابن مريم عليه السلام يوم القيامة .
وفي حديث آخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980637بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء قيل : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس .
وقال
نافع ، عن
مالك : دخل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب المسجد ، فوجد
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل جالسا إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ، فقال له
عمر : ما يبكيك يا
أبا عبد الرحمن ؟ هلك أخوك ؟ قال : لا ، ولكن حديثا حدثنيه حبيبي صلى الله عليه وسلم وأنا في هذا المسجد ، فقال : ما هو ؟ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980638إن الله يحب الأخفياء الأحفياء الأتقياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم [ ص: 186 ] يفتقدوا ، وإذا حضروا لم يعرفوا ، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة .
فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون ، ولقلتهم في الناس جدا ؛ سموا غرباء ، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات ، فأهل الإسلام في الناس غرباء ، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء ، وأهل العلم في المؤمنين غرباء .
وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فهم غرباء ، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة ، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا ، فلا غربة عليهم ، وإنما غربتهم بين الأكثرين ، الذين قال الله عز وجل فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ، فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه ، وغربتهم هي الغربة الموحشة ، وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم ، كما قيل :
فليس غريبا من تناءت دياره ولكن من تنأين عنه غريب
ولما خرج
موسى عليه السلام هاربا من قوم فرعون انتهى إلى
مدين على الحال التي ذكر الله ، وهو وحيد غريب خائف جائع ، فقال : يا رب وحيد مريض غريب ، فقيل له : يا
موسى الوحيد : من ليس له مثلي أنيس ، والمريض : من ليس له مثلي طبيب ، والغريب : من ليس بيني وبينه معاملة .
فَصْلُ الْغُرْبَةِ
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : بَابُ الْغُرْبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ .
اسْتِشْهَادُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى رُسُوخِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَفَهْمِ الْقُرْآنِ ، فَإِنَّ الْغُرَبَاءَ فِي الْعَالَمِ هُمْ أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ ، وَهُمُ الَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980632nindex.php?page=treesubj&link=29411_30206بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ، قِيلَ : وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16349عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ
زُهَيْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15255الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ، قَالُوا : [ ص: 185 ] يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَنِ الْغُرَبَاءُ ؟ قَالَ : الَّذِينَ يَزِيدُونَ إِذَا نَقَصَ النَّاسُ .
فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَحْفُوظًا لَمْ يَنْقَلِبْ عَلَى الرَّاوِي لَفْظُهُ وَهُوَ : الَّذِينَ يَنْقُصُونَ إِذَا زَادَ النَّاسُ فَمَعْنَاهُ : الَّذِينَ يَزِيدُونَ خَيْرًا وَإِيمَانًا وَتُقًى إِذَا نَقَصَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشِ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980634إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ، قِيلَ : وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ .
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980635قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ، قِيلَ : وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَاسٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ فِي نَاسٍ كَثِيرٍ ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ .
وَقَالَ
أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15459الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17023مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ هُرْمُزَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ :
إِنَّ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَى اللَّهِ الْغُرَبَاءُ ، قِيلَ : وَمَنِ الْغُرَبَاءُ ؟ قَالَ : الْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ ، يَجْتَمِعُونَ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980637بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ : وَمَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الَّذِينَ يُحْيُونَ سُنَّتِي وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ .
وَقَالَ
نَافِعٌ ، عَنْ
مَالِكٍ : دَخَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْمَسْجِدَ ، فَوَجَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ جَالِسًا إِلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْكِي ، فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ : مَا يُبْكِيكَ يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ هَلَكَ أَخُوكَ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنَّ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ حَبِيبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980638إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَخْفِياءَ الْأَحْفِيَاءَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَبْرِيَاءَ الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ [ ص: 186 ] يُفْتَقَدُوا ، وَإِذَا حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا ، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ مُظْلِمَةٍ .
فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْغُرَبَاءُ الْمَمْدُوحُونَ الْمَغْبُوطُونَ ، وَلِقِلَّتِهِمْ فِي النَّاسِ جِدًّا ؛ سُمُّوا غُرَبَاءَ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ ، فَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي النَّاسِ غُرَبَاءُ ، وَالْمُؤْمِنُونَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ غُرَبَاءُ ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُؤْمِنِينَ غُرَبَاءُ .
وَأَهْلُ السُّنَّةِ الَّذِينَ يُمَيِّزُونَهَا مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ فَهُمْ غُرَبَاءُ ، وَالدَّاعُونَ إِلَيْهَا الصَّابِرُونَ عَلَى أَذَى الْمُخَالِفِينَ هُمْ أَشَدُّ هَؤُلَاءِ غُرْبَةً ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ حَقًّا ، فَلَا غُرْبَةَ عَلَيْهِمْ ، وَإِنَّمَا غُرْبَتُهُمْ بَيْنَ الْأَكْثَرِينَ ، الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=116وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْغُرَبَاءُ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ ، وَغُرْبَتُهُمْ هِيَ الْغُرْبَةُ الْمُوحِشَةُ ، وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْمَعْرُوفِينَ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ ، كَمَا قِيلَ :
فَلَيْسَ غَرِيبًا مَنْ تَنَاءَتْ دِيَارُهُ وَلَكِنَّ مَنْ تَنْأَيْنَ عَنْهُ غَرِيبُ
وَلَمَّا خَرَجَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَارِبًا مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ انْتَهَى إِلَى
مَدْيَنَ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ ، وَهُوَ وَحِيدٌ غَرِيبٌ خَائِفٌ جَائِعٌ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ وَحِيدٌ مَرِيضٌ غَرِيبٌ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا
مُوسَى الْوَحِيدُ : مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلِي أَنِيسٌ ، وَالْمَرِيضُ : مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلِي طَبِيبٌ ، وَالْغَرِيبُ : مَنْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ .