الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( ( فأهل ) ) غزوة ( ( بدر ) ) العظمى ، وهي البطشة الكبرى ، ويقال لها بدر القتال ويوم الفرقان ، كما رواه ابن جرير وابن المنذر ، وصححه الحاكم [ ص: 362 ] عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لأن الله تعالى فرق فيه بين الحق والباطل ، وهي التي أعز الله بها الإسلام ، وقمع بها عبدة الأصنام ، وبدر قرية مشهورة ، ولم تزل من يومئذ بأهل الإسلام معمورة ، على نحو أربعة مراحل من المدينة النبوية ، قيل : نسبت إلى بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة ، وقيل : إلى بدر بن الحارث ، وقيل : إلى بدر بن كلدة ، وقيل : بل بدر اسم للبئر التي بها سميت بذلك لاستدارتها ولصفائها فكأن البدر يرى فيها ، وقيل : بل هو علم على البلد المذكور كغيرها من أسماء البلاد ، قال البغوي وهو قول الأكثر : وكانت وقعة بدر نهار الجمعة لسبعة عشر خلت من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة ، وكان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا .

روى البخاري عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال : كنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين عبروا معه النهر ، ولم يجاوزه معه إلا مؤمن ، بضعة عشر وثلاثمائة . وفي حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عن ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والبيهقي قال : أمرنا رسول الله أن نعتد ففعلنا ، فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر ، فأخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدتنا ، فسر بذلك وحمد الله تعالى ، وقال : عدة أصحاب طالوت .

وروى الإمام أحمد ، وابن أبي شيبة ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وأبو عوانة ، وابن حبان من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر - ولفظ مسلم تسعة عشر رجلا - ، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة ، الحديث . وروى البزار بسند حسن عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : كانت عدة أهل بدر عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ، ثلاثمائة وسبعة عشر . وفي الفتح ثلاثة عشر بدل سبعة عشر . وفي الصحيح عن موسى بن عقبة عن الزهري قال : جميع من شهد بدرا من قريش من ضرب له سهمه أحد وثمانون ، مع أن البخاري وإسحاق بن راهويه أخرجا عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال : كان المهاجرون يوم بدر نيفا على الستين ، والأنصار نيفا وأربعين ومائتين ، [ ص: 363 ] قال الحافظ ابن حجر : والجمع بين هذين الحديثين أن حديث البراء فيمن شهد بدرا حسا ، وقول الزهري فيمن شهدها بالعدد حكما ممن ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له بسهمه وأجره ، أو المراد بالعدد الأول الأحرار ، وبالثاني بانضمام مواليهم وأتباعهم . وإذا تحرر هذا فجميع من شهد القتال من ثلاثمائة وخمسة أو ستة فقد عد ثمانية أنفس من أهل بدر ولم يشهدوها ، وإنما ضرب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم بسهامهم ، لكونهم تخلفوا لضرورات لهم ، وهم : عثمان بن عفان ، وطلحة ، وسعيد ، والحارث بن حاطب ، والحارث بن الصمة ، وخوات بن جبير ، وعاصم بن عدي ، وأبو لبابة - رضي الله عنهم - .

واستشهد من المسلمين في وقعة بدر أربع عشرة نفسا ، ستة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار - رضي الله عنهم - أجمعين . وقتل من الكفار سبعون ، وأسر سبعون . وقد روى الطبراني بسند رجاله ثقات عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : إن الثمانية عشر الذين قتلوا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر جعل الله تعالى أرواحهم في الجنة في طير خضر تسرح في الجنة ، فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم ربهم اطلاعة ، فقال : يا عبادي ماذا تشتهون ؟ فقالوا : يا ربنا هل فوق هذا من شيء ؟ قال : فيقول عبادي : ماذا تشتهون ؟ فيقولون في الرابعة : ترد أرواحنا في أجسادنا فنقتل كما قتلنا .

وروى البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي - رضي الله عنه - وكان من أهل بدر قال : جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين - أو كلمة نحوها - . قال : كذلك من شهد بدرا من الملائكة . وروى نحوه الإمام أحمد من حديث رافع بن خديج ، قال الحافظ ابن الجوزي في جامع المسانيد : كذا وقع في مسند الإمام أحمد ، والظاهر أنه غلط من بعض الرواة ، وإنما هو حديث رافع بن رفاعة الزرقي لا ابن خديج ، ويحتمل أن يكون سمعه ابن خديج من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح على شرط مسلم عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية . وروى أبو داود ، وابن ماجه ، والطبراني بسند جيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اطلع [ ص: 364 ] الله على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " . وروى الإمام أحمد عن أم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إني لأرجو الله أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد ممن شهد بدرا والحديبية " . قالت : قلت : أليس الله تعالى يقول : ( وإن منكم إلا واردها ) قال : فسمعته يقول : ( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) . وأخرج مسلم والترمذي من حديث جابر - رضي الله عنه - أن عبدا لحاطب جاء يشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاطبا ، فقال : يا رسول الله ليدخلن حاطب النار . فقال : " كذبت ، لا يدخلها فإنه قد شهد بدرا والحديبية " .

وفي الصحيح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قصة كتاب حاطب ، وأن عمر بن الخطاب قال : يا رسول الله دعني أضرب عنقه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أليس من أهل بدر ؟ ولعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم - أو قال : - قد وجبت لكم الجنة " . وفي المعنى أحاديث غير ما ذكرنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية