( ( في ذكر بعض السمعيات من ذكر البرزخ والقبور وأشراط الساعة والحشر والنشور ) )
اعلم أن ما كان طريق العلم به السمع الوارد في الكتاب أو السنة والآثار مما ليس للعقل فيه مجال ، ويقابله ما يثبت بالعقل وإن وافق النقل ، فما كان طريق العلم به العقل يسمى العقليات والنظريات ، ولهذا يقال لعلماء هذا الشأن النظار ، وقد أشار إلى ذكر المقصود من ذلك بقوله : المراد بالسمعيات
( ( وكل ما صح من الأخبار أو جاء في التنزيل والآثار ) ) ( ( من فتنة البرزخ والقبور
وما أتى في ذا من الأمور ) )
( ( وكل ما ) ) أي حكم من الأحكام أو خبر عن خير الأنام صلى الله عليه وسلم ولهذا قال : ( ( صح من الأخبار ) ) أي ثبت من الأخبار النبوية وقدمه لمزيد الاهتمام به ولئلا يظن ظان أن ما لم يثبت في التنزيل ليس عليه مزيد تعويل ( ( أو جاء في التنزيل ) ) أي القرآن المنزل على النبي المرسل صلى الله عليه وسلم ( ( و ) ) كل ما صح في ( ( الآثار ) ) السلفية عن الصحابة الكرام مما ليس للعقل فيه مرام فإنه يشعر بأنهم إنما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ( من فتنة ) ) الفتنة الامتحان والاختبار قال في القاموس : الفتنة بالكسر الخبرة والفتانان الدرهم والدينار ومنكر ونكير والفتان الشيطان لأنه يفتن الناس عن الدين وفتان من أبنية المبالغة من الفتنة وفي حديث الكسوف : : يريد مساءلة وأنكم تفتنون في القبور منكر ونكير وقد كثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم باستعاذته من فتنة القبر [ ص: 4 ] وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات وغير ذلك . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( ( ) ) أي تمتحنون بي في قبوركم ويتعرف إيمانكم بنبوتي ( ( البرزخ ) ) قال في القاموس : فبي تفتنون وعني تسألون الحاجز بين الشيئين ومن وقت الموت إلى القيامة من مات دخله . وفي النهاية البرزخ ما بين كل شيئين من حاجز ومنه حديث البرزخ عبد الله وسئل عن الرجل يجد الوسوسة فقال تلك برازخ الإيمان - يريد ما بين أوله وآخره فأولها الإيمان بالله ورسوله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، وقيل أراد ما بين اليقين والشك . والبرازخ جمع برزخ وفي الآية الكريمة بينهما برزخ لا يبغيان أي حاجز يمنعهما من أن يختلط أحدهما بالآخر ووجه تسمية ما هنا برزخا لكونه يحجز بين الدنيا والآخرة ( ( و ) ) فتنة ( ( القبور ) ) جمع قبر وهو من عطف الخاص على العام لأن أحوال البرزخ تشتمل على ذلك فالقبور جمع قبر جمع كثرة وجمعه أقبر في القلة ويقال لمدفن الموتى مقبر قال الشاعر :
لكل أناس مقبر في فنائهم فهم ينقصون والقبور تزيد
والمقبرة موضع دفن الموتى وتضم باؤها وتفتح . قال القرطبي : اختلف في فقيل الغراب لما قتل أول من سن القبر قابيل هابيل ، وقيل إن قابيل كان يعلم الدفن وترك أخاه استخفافا به فبعث الله الغراب ليبحث في الأرض يعني التراب على هابيل ليدفنه - كذا في التذكرة فقال عند ذلك يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين حيث رأى كرامة الله لهابيل بأن قيض الله الغراب حتى واراه ولم يكن ذلك ندم توبة . وقيل كان ندمه على عدم معرفة الدفن ولذا قال رضي الله عنهما : لو كان ندمه على قتله لكان ندم توبة . وقيل إنه لما قتله قعد يبكي على رأسه فأقبل غرابان فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر ثم حفر له حفرة فدفنه ففعل ابن عباس قابيل بأخيه كذلك فكان ندمه لعدم هدايته أن يفعل كما فعل الغراب فصار الدفن سنة في بني آدم . وفي التنزيل ثم أماته فأقبره أي جعل له قبرا يوارى فيه إكراما له ولم يجعل مما يلقى على وجه الأرض [ ص: 5 ] تأكله الطير والعوافي .