قال إن سأل سائل من أبو عبد الله : المرجئة فقال : فيقال له : نعم ، دين الله ، وهو الإسلام ، وهو الإيمان ، له أصل ، من أصابه كان مؤمنا ، مسلما بالخروج من ملل الكفر ، والدخول في ملة الإسلام ، ولذلك الأصل فرع ، وهو القيام بما أقر به ، وكمال الأصل أن يأتي بالقائم ، فإن ضيع شيئا من الفرائض ، فقد انتقص من الفرع ، ولم يزل الأصل . هل لله دين ، من أصابه كان مؤمنا ، مسلما ؟
فإن قال : بين لنا الأصل ، والفرع ؟ قيل له : الأصل : التصديق بالله ، والخضوع لله بإعطاء العزم للأداء بما أمر به ، مجانبا للاستنكاف ، والاستكبار ، والمعاندة .
والفرع تحقيق ذلك بالتعظيم لله ، والخوف له ، والرجاء الذي أوجبه على عباده ، الذي يبعثهم على أداء الفرائض ، واجتناب المحارم ، فإذا أدوا الفرائض ، واجتنبوا المحارم من قلوبهم ، وأبدانهم ، فقد اجتمع أهل السنة على أن هذا هو الإيمان المفترض . [ ص: 805 ]
ثم قال بعضهم : هو الإيمان كله ، وليست النوافل منه في شيء ، واحتجوا بأن الله افترض الإيمان ، ولم يبح تركه ، فجعل جحده كفرا .
فقالوا : من جحد بفريضة فهو كافر ، ولو جحد بنافلة من النوافل ، لم يكن كافرا ، والكفر ضد الإيمان ، فثبت أن الإيمان هو المفترض ، وأن النوافل ليست من الإيمان ، ولو كانت من الإيمان لكان من جحد بها كافرا .
قالوا : وأما من احتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " ، فليس هذا مما يدل على أن النوافل من الإيمان ، لأنه واجب على الأمة أن يميطوا الأذى عن طريق المسلمين ، لا يحل لهم أن يحفروا الآبار ، ويتركوها مفتوحة ، يقع فيها الضعيف ، والمكفوف ، والصبي ، وكذلك لا يحل لهم أن يضعوا العذرة على الطريق ، فيدوسها الناس ، ويتأذون بها ، وكذلك لا يحل لهم أن يضعوا السباع في الطريق ينهش الناس ، ويجرحهم .
قالوا : فإنما عنى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يفعل ما حرم الله عليه من أذى المسلمين . [ ص: 806 ]
وقالوا : لو كان التنفل من الإيمان ، ما كمل إيمان أحد أبدا ، ولا ملكا مقربا ، ولا نبيا مرسلا ، فكان كل من لقي الله من لقيه ، لقيه ناقص الإيمان .
قالوا : وهذا شتم لرسل الله ، وملائكته ، وإيجاب أن الإيمان ليس بمعلوم ، ولا له نهاية ، والله لا يأمر بما ليس له نهاية ، وليس بمعلوم .
ففي ذلك دليل أن الفرائض من الإيمان ، وليست النوافل منه في شيء ، ولكنها بر ، وإحسان ، وقربة .
وقال الجمهور الأعظم من أهل السنة : الإيمان واحد ، له أصل ، وفرع ، فأصله مفترض ، وفرعه منه مفترض ، ومنه لا مفترض ، فأما المفترض فهو ما أوجبه الله على عباده بقلوبهم ، وجوارحهم ، وذلك معلوم محدود ، لأن الحكم لا يوجب إلا معلوما يستوجب الثواب من أتاه ، ويستوجب الذم ، والعقاب من قصر عنه بعد علم ، والباقي من الإيمان هو نافلة لم يفترضه الله عز وجل .