والدليل على أنه الإيمان أن وتوعد ، فكلما عظم قدر الله في قلوبهم ، وقدر وعده ، ووعيده ، بعثهم ذلك على أداء واجب حقه . [ ص: 807 ] الفرائض لم يقم بها المؤمنون إلا عن تصديق بالله ، وبما وعد ،
وكذلك كلما عظم في قلوبهم ، بذلوا له المجهود ، وتقربوا إليه بكل ما استطاعوا ، لا فرقان بين ذلك .
ومن يقل بهذا من أصحابنا فقد ناقض أنه إن كان شيء من الطاعة عن التصديق إيمانا ، فكل طاعة عن تصديق إيمان .
وإنما خالفتنا المرجئة بأنهم زعموا أن الإيمان اسم للتصديق بالقلب ، واللسان فقط .
وقلنا : لا ، بل هو اسم للطاعة ، ثم ناقضت منا فرقة ، فقالوا : هو اسم لبعض الطاعة ، لا لكل الطاعة ، وإنما بالمفترض يخرج تاركها ، وليس من أجل أنها فرض كانت إيمانا ، وإنما كانت إيمانا من أجل أنها طاعة ، لا من أجل أنها مفترضة ، فقد ناقض من جعل طاعة إيمانا ، وطاعة لا إيمان ، ومن تدبر الإيمان ، علم أنه لا غاية له ، وإن كان المفترض منه له غاية ، لأن الذي آمن العباد به ، لا غاية عندهم في الكمال ، والإجلال ، والهيبة ، فلو آمنوا به كما يحق له ، لعرفوه كما يحق له ، ولو عرفوه كما يحق له ، لساووه بالعلم بنفسه ، وغير جائز أن يساويه ما يعلم بنفسه ، فإذا كانوا لا يساووه بالعلم بنفسه ، فقد ثبت أن معرفتهم ليست لها غاية .
فكذلك الإيمان ليس له غاية ، لأن المعرفة أصل [ ص: 808 ] الإيمان ، ولكن الله من رأفته ، ورحمته لهم افترض عليهم من الإيمان ما لا يجهدهم ، ولا يستفرغ طاقتهم ، ولو شاء لافترض عليهم أكثر من ذلك ، ولو افترضه عليهم ، لكان إيمانا مفترضا ، ولو تقطع عباده ، ما بلغوا غاية المعرفة به ، ألم تسمع إلى قول سلمان لحجر : " لو تقطعت أعضاء ما بلغت الإيمان " ، وصدق ، لأنه ليس للمعروف غاية عند العارفين ، فيكون لمعرفتهم به غاية .