قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032أبو عبد الله : ثم فسر النبي صلى الله عليه وسلم بسنته الإيمان ، إذ فهم عن الله عز وجل مثله ، فأخبر أن
nindex.php?page=treesubj&link=29618_28656_28804الإيمان ذو شعب أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ، فجعل أصله الإقرار
[ ص: 707 ] بالقلب واللسان ، وجعل شعبه الإيمان ، ثم جعل في غير حديث الأعمال شعبا من الإيمان ، فاستعجم على المرجئ الفهم ، فضرب المثل بخلاف ما ضربه الله ، والرسول ، وقال : " مثل عشرة دراهم " ليبطل سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويجعل قوله هو الحق بخلاف الآثار ، لأن الذي سمى الإيمان التصديق هو الذي أخبر أن الإيمان ذو شعب ، فمن لم يسم الأعمال شعبا كما جعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكما ضرب الله المثل به ، فقد خالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس له أن يفرق بين صفات النبي صلى الله عليه وسلم للإيمان ، فيؤمن ببعضها ، ويكفر ببعضها ، لأنه صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل : ما الإيمان ؟ قال : " أن تؤمن بالله " إلى آخر القول ، ثم قال في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لوفد عبد القيس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657001 " آمركم بالإيمان " ، ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650051 " أتدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله " فبدأ بأصله ، والشاهد بلا إله إلا الله هو المصدق المقر بقلبه يشهد بها لله بقلبه ، ولسانه ، يبتدئ بشهادة قلبه ، والإقرار به ، ثم يثني بالشهادة بلسانه ، والإقرار به كما قال من قال : لا إله إلا الله ، يرجع بها إلى القلب مخلصا يعني مخلصا بالشهادة قلبه ليس كما شهدت المنافقون إذ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1قالوا نشهد إنك لرسول الله ) قال الله :
[ ص: 708 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) ، فلم يكذب قلوبهم أنه حق في عينه ، ولكن كذبهم من قولهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1والله يعلم إنك لرسوله ) ، أي كما قالوا ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) ، فكذبهم من قولهم ، لا أنهم قالوا بألسنتهم باطلا ، ولا كذبا ، وكذلك حين أجاب النبي صلى الله عليه وسلم
جبريل بقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650007 " الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله " ، لم يرد شهادة باللسان كشهادة المنافقين ، ولكن أراد شهادة بدؤها من القلب بالتصديق بالله بأنه واحد .
وليس هذا مما ينقص قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048 " تؤمن بالله " ، لأنه بدأه بأول الإيمان ، فقال : أن تؤمن بالله ، ثم تقر بقلبك ، ولسانك ، فتشهد له بذلك ، فابتدأ الإسلام بالشهادة ، والإيمان بالتصديق ، وهم مجامعونا أنهما جميعا إيمان ، لا يفرقون بين الشهادة التي جعل النبي صلى الله عليه وسلم أول الإسلام ، وبين التصديق الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاما ، فهم يجعلونهما جميعا إيمانا ، فما بال ما بقي لما سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاما لا يكون إيمانا ، كيف نقصوه ؟ فأضافوا بعض الإسلام إلى الإيمان ، ونفوا باقيه عن الإيمان ، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاما كله ، ثم أكد ذلك في قوله لوفد
عبد القيس : nindex.php?page=hadith&LINKID=650051 " أتدرون ما الإيمان بالله وحده " ، ينبئهم
[ ص: 709 ] للفهم عنه ، ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650007 " شهادة أن لا إله إلا الله " ، وما ذكر معها من الإيمان ، ثم فسر ذلك في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=671179 " الإيمان بضع وسبعون شعبة " .
فالعجب لمن طلب الحديث منهم ، أو سمع الآثار ، وإن لم يطلبها ، كيف يسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الإيمان بصفات ، ثم يفرق بينها ، فيؤمن ببعض صفاته ، ويجحد بعضا ، وليست التفرقة بالذي يزيل الاسم ، لأنا قد وجدنا الله ، والرسول يفرقان الصفة في أشياء ، ويوجبان على المؤمنين أن يجمعوها لمن سمى بها باسم واحد .
من ذلك قول الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) ، ولم يذكر عملا .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ، ورسله ) ، ولم يذكر عملا .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4لهم درجات ) ، فذكر الوجل ، وإقام الصلاة ، والإيمان لله ، والإنفاق لله ، والتوكل عليه ، وأوجب لهم الجنة بذلك .
[ ص: 710 ]
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قد أفلح المؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الذين هم في صلاتهم خاشعون ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=10أولئك هم الوارثون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=11الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) .
فأوجب لهم الجنة بالأعمال التي ذكرها ، ولم يذكر في هذه الآية الوجل ، والتوكل ، ولم يذكر في الآية التي في الأنفال كل ما ذكر في هذه من الأعمال .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=47وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ) .
وقال في موضع آخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ) فعم الأعمال في هذه الآية .
وقال الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36والذين كفروا لهم نار جهنم ) .
وقال في موضع آخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=1الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=6وويل للمشركين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=7الذين لا يؤتون الزكاة ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الذين هم يراؤون nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=7ويمنعون الماعون ) .
[ ص: 711 ]
فقد علمنا أن الكافرين في النار ، وإن لم يصدوا عن سبيل الله .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=42ما سلككم في سقر nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=43قالوا لم نك من المصلين nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=44ولم نك نطعم المسكين ) ، فالكافر في النار ، ويزداد عذابا بهذه الأفعال ، فهذه صفات أهل النار ، وأعمالهم ، وتلك صفات أهل الجنة ، وإن اختلفت ، فكذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بصفات ، فكلها صفات الإيمان ، وإن اختلفت .
فلو قال قائل : لا يدخل الجنة أحد إلا من جمع هذه الأعمال كلها ، أو قال : ليست هذه بأعمال يستحق بها الجنة ، لأنه قد فرقها ، فيرجع إلى الأصل ، يشهد أن من صدق بالله ، وبصفاته كلها ، فهو في الجنة ، فيشهد بالأصل ، ويدع الفروع ، لكان رادا على الله ، قائلا بغير الحق إذا اقتصر على الأصل ، وألقى الفروع .
فكذلك من شهد بأن الإيمان هو الأصل الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وألقى سائره ، فلم يشهد أنه إيمان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمى الإيمان بالأصل ، وبالفروع ، وهو الإقرار ، والأعمال ، فسماه في حديث
جبريل بالتصديق ، وسمى الشهادة ، والقيام بما أسمى من الفرائض إسلاما ، وسمى
[ ص: 712 ] فيما قال لوفد
عبد القيس الشهادة ، وما سمى معها من الفرائض إيمانا ، ثم فسر ذلك في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، فجعل أصل الإيمان الشهادة ، وسائر الأعمال شعبا ، ثم أخبر أن
nindex.php?page=treesubj&link=28650_27341_30512الإيمان يكمل بعد أصله بالأعمال الصالحة ، فقال في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة : nindex.php?page=hadith&LINKID=687940 " أكمل المؤمنين أحسنهم خلقا " في الإيمان ، كأحسنهم خلقا ، فإنه مساوية في الكمال ، فقد عاند سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقلب ما شهد به بأحسن المؤمنين خلقا ، فجعله لأسوئهم خلقا ، لو كان كما قال ، لكان قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا لا معنى له ، وهو أعلم بالله من ذلك ، ثم حد الإيمان في قلوب أهل النار من المؤمنين ، فأخبر عن الله عز وجل أنه يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=656886 " أخرجوا من في قلبه مثقال دينار من إيمان ، مثقال نصف دينار ، مثقال شعيرة ، مثقال ذرة ، مثقال خردلة " .
فمن زعم أن ما كان في قلوبهم من الإيمان مستويا في الوزن ، فقد عارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بالرد ، ومن قال : الذي في قلبه مثقال ذرة ليس بمؤمن ، ولا مسلم ، فقد رد على الله ، وعلى رسوله ، إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664840 " لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة " ، فقد حرم الله الجنة على الكافرين ، وقد جزأ النبي صلى الله عليه وسلم ما في قلوبهم من الإيمان بالقلة ، والكثرة ، ثم أخبر أن أقلهم إيمانا قد أدخل الجنة ،
[ ص: 713 ] فثبت له بذلك اسم الإيمان ، فإذا كان أقلهم إيمانا يستحق الاسم ، والآخرون أكثر منه إيمانا ، دل ذلك أن له أصلا ، وفرعا يستحق اسمه من يأتي بأصله ، ويتأولون في الزيادة بعد أصله ، فتركوا أن يضربوا النخلة مثلا للإيمان ، مثلا كما ضربه الله عز وجل ، ويجعل الإيمان له شعبا كما جعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيشهدوا بالأصل ، وبالفروع ، ويشهدوا بالزيادة إذا أتى بالأعمال ، كما أن النخلة فروعها ، وشعبها أكمل لها ، وهي مزدادة بعد ما ثبت الأصل شعبا ، وفرعا ، فقد كان يحق عليهم أن ينزلوا المؤمن بهذه المنزلة ، فيشهدوا له بالإيمان ، إذ أتى بالإقرار بالقلب ، واللسان ، ويشهدوا له بالزيادة ، كلما ازداد عملا من الأعمال التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم شعبا للإيمان ، وكان كلما ضيع منها شعبة ، علموا أنه من الكمال ، أنقص من غيره ممن قام بها ، فلا يزيلوا عنه اسم الإيمان حتى يزول الأصل ، وليست العشرة مثل الإيمان ، لأنه ليس لها أصل إلا كالفرع : العاشر درهم ، والأول درهم ، فإنما مثل أصلها مثل الفضة ، والفضة كمثل التصديق ، فلو كانت نقرة فيها عشرة ، ثم نقصت حبة لسميت فضة ، لأن الفضة جامع لاسمها ، قلت أم كثرت ، لأنها أصل قائم أبدا ما دام منها شيء ، وليست
[ ص: 714 ] العشرة كذلك ليس أولها بأولى من أن يكون أصلا لها من آخرها ، لأنها أجزاء متفرقة ، فكما بدئ بالدرهم الأول بالعدد ، فيجعل الأول هو العاشر ، فليس بعضها بأحق بأن يكون أصلا لبعض من الآخر ، إنما أصلها الفضة .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : ثُمَّ فَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُنَّتِهِ الْإِيمَانَ ، إِذْ فُهِمَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَهُ ، فَأَخْبَرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29618_28656_28804الْإِيمَانَ ذُو شُعَبٍ أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَجَعَلَ أَصْلَهُ الْإِقْرَارَ
[ ص: 707 ] بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ، وَجَعَلَ شُعَبَهُ الْإِيمَانَ ، ثُمَّ جَعَلَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ الْأَعْمَالَ شُعَبًا مِنَ الْإِيمَانِ ، فَاسْتَعْجَمَ عَلَى الْمُرْجِئِ الْفَهْمُ ، فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِخِلَافِ مَا ضَرَبَهُ اللَّهُ ، وَالرَّسُولُ ، وَقَالَ : " مِثْلَ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ " لِيُبْطِلَ سُنَّةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَجْعَلُ قَوْلَهُ هُوَ الْحَقُّ بِخِلَافِ الْآثَارِ ، لِأَنَّ الَّذِي سَمَّى الْإِيمَانَ التَّصْدِيقَ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّ الْإِيمَانَ ذُو شُعَبٍ ، فَمَنْ لَمْ يُسَمِّ الْأَعْمَالَ شُعَبًا كَمَا جَعَلَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَمَا ضَرَبَ اللَّهُ الْمَثَلَ بِهِ ، فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ صِفَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْإِيمَانِ ، فَيُؤْمِنُ بِبَعْضِهَا ، وَيَكْفُرُ بِبَعْضِهَا ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهُ جِبْرِيلُ : مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ : " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ " إِلَى آخِرِ الْقَوْلِ ، ثُمَّ قَالَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657001 " آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ " ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650051 " أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " فَبَدَأَ بِأَصْلِهِ ، وَالشَّاهِدُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ هُوَ الْمُصَدِّقُ الْمُقِرُّ بِقَلْبِهِ يَشْهَدُ بِهَا لِلَّهِ بِقَلْبِهِ ، وَلِسَانِهِ ، يَبْتَدِئُ بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ ، وَالْإِقْرَارِ بِهِ ، ثُمَّ يُثَنِّي بِالشَّهَادَةِ بِلِسَانِهِ ، وَالْإِقْرَارِ بِهِ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، يَرْجِعُ بِهَا إِلَى الْقَلْبِ مُخْلِصًا يَعْنِي مُخْلِصًا بِالشَّهَادَةِ قَلْبُهُ لَيْسَ كَمَا شَهِدَتِ الْمُنَافِقُونَ إِذْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ) قَالَ اللَّهُ :
[ ص: 708 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) ، فَلَمْ يُكَذِّبْ قُلُوبَهُمْ أَنَّهُ حَقٌّ فِي عَيْنِهِ ، وَلَكِنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ) ، أَيْ كَمَا قَالُوا ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) ، فَكَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ ، لَا أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ بَاطِلًا ، وَلَا كَذِبًا ، وَكَذَلِكَ حِينَ أَجَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جِبْرِيلَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650007 " الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ، لَمْ يُرِدْ شَهَادَةً بِاللِّسَانِ كَشَهَادَةِ الْمُنَافِقِينَ ، وَلَكِنْ أَرَادَ شَهَادَةً بَدْؤُهَا مِنَ الْقَلْبِ بِالتَّصْدِيقِ بِاللَّهِ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ .
وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُنْقِصُ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048 " تُؤْمِنُ بِاللَّهِ " ، لِأَنَّهُ بَدَأَهُ بِأَوَّلِ الْإِيمَانِ ، فَقَالَ : أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ، ثُمَّ تُقِرَّ بِقَلْبِكَ ، وَلِسَانِكَ ، فَتَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ ، فَابْتَدَأَ الْإِسْلَامَ بِالشَّهَادَةِ ، وَالْإِيمَانَ بِالتَّصْدِيقِ ، وَهُمْ مُجَامِعُونَا أَنَّهُمَا جَمِيعًا إِيمَانٌ ، لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ الَّتِي جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ ، وَبَيْنَ التَّصْدِيقِ الَّذِي سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامًا ، فَهُمْ يَجْعَلُونَهُمَا جَمِيعًا إِيمَانًا ، فَمَا بَالُ مَا بَقِيَ لِمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامًا لَا يَكُونُ إِيمَانًا ، كَيْفَ نَقَصُوهُ ؟ فَأَضَافُوا بَعْضَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْإِيمَانِ ، وَنَفَوْا بَاقِيهِ عَنِ الْإِيمَانِ ، وَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِسْلَامًا كُلَّهُ ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ لِوَفْدِ
عَبْدِ الْقَيْسِ : nindex.php?page=hadith&LINKID=650051 " أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ " ، يُنَبِّئُهُمْ
[ ص: 709 ] لِلْفَهْمِ عَنْهُ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650007 " شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ، وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا مِنَ الْإِيمَانِ ، ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=671179 " الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً " .
فَالْعَجَبُ لِمَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ مِنْهُمْ ، أَوْ سَمِعَ الْآثَارَ ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا ، كَيْفَ يَسْمَعُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الْإِيمَانَ بِصِفَاتٍ ، ثُمَّ يُفَرِّقُ بَيْنَهَا ، فَيُؤْمِنُ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ ، وَيَجْحَدُ بَعْضًا ، وَلَيْسَتِ التَّفْرِقَةُ بِالَّذِي يُزِيلُ الِاسْمَ ، لَأَنَّا قَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ ، وَالرَّسُولَ يُفَرِّقَانِ الصِّفَةَ فِي أَشْيَاءَ ، وَيُوجِبَانِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَجْمَعُوهَا لِمَنْ سَمَّى بِهَا بِاسْمٍ وَاحِدٍ .
مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=19وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَمَلًا .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ، وَرُسُلِهِ ) ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَمَلًا .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4لَهُمْ دَرَجَاتٌ ) ، فَذَكَرَ الْوَجَلَ ، وَإِقَامَ الصَّلَاةِ ، وَالْإِيمَانَ لِلَّهِ ، وَالْإِنْفَاقَ لِلَّهِ ، وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ ، وَأَوْجَبَ لَهُمُ الْجَنَّةَ بِذَلِكَ .
[ ص: 710 ]
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=1قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=2الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=10أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=11الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
فَأَوْجَبَ لَهُمُ الْجَنَّةَ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْوَجَلَ ، وَالتَّوَكُّلَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ الَّتِي فِي الْأَنْفَالِ كُلَّ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=47وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا ) .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ ) فَعَمَّ الْأَعْمَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ) .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=1الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=6وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=7الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=6الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=107&ayano=7وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) .
[ ص: 711 ]
فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْكَافِرِينَ فِي النَّارِ ، وَإِنَّ لَمْ يُصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=42مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=43قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=44وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ) ، فَالْكَافِرُ فِي النَّارِ ، وَيَزْدَادُ عَذَابًا بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ ، فَهَذِهِ صِفَاتُ أَهْلِ النَّارِ ، وَأَعْمَالُهُمْ ، وَتِلْكَ صِفَاتُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ ، فَكَذَلِكَ وَصَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ بِصِفَاتٍ ، فَكُلُّهَا صِفَاتُ الْإِيمَانِ ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ .
فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا ، أَوْ قَالَ : لَيْسَتْ هَذِهِ بِأَعْمَالٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا الْجَنَّةَ ، لِأَنَّهُ قَدْ فَرَّقَهَا ، فَيَرْجِعْ إِلَى الْأَصْلِ ، يَشْهَدُ أَنَّ مَنْ صَدَّقَ بِاللَّهِ ، وَبِصِفَاتِهِ كُلِّهَا ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ ، فَيَشْهَدُ بِالْأَصْلِ ، وَيَدَعُ الْفُرُوعَ ، لَكَانَ رَادًّا عَلَى اللَّهِ ، قَائِلًا بِغَيْرِ الْحَقِّ إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَصْلِ ، وَأَلْقَى الْفُرُوعَ .
فَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَلْقَى سَائِرَهُ ، فَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّهُ إِيمَانٌ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَمَّى الْإِيمَانَ بِالْأَصْلِ ، وَبِالْفُرُوعِ ، وَهُوَ الْإِقْرَارُ ، وَالْأَعْمَالُ ، فَسَمَّاهُ فِي حَدِيثِ
جِبْرِيلَ بِالتَّصْدِيقِ ، وَسَمَّى الشَّهَادَةَ ، وَالْقِيَامَ بِمَا أَسْمَى مِنَ الْفَرَائِضِ إِسْلَامًا ، وَسَمَّى
[ ص: 712 ] فِيمَا قَالَ لِوَفْدِ
عَبْدِ الْقَيْسِ الشَّهَادَةَ ، وَمَا سَمَّى مَعَهَا مِنَ الْفَرَائِضِ إِيمَانًا ، ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَجَعَلَ أَصْلَ الْإِيمَانِ الشَّهَادَةَ ، وَسَائِرَ الْأَعْمَالِ شُعَبًا ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28650_27341_30512الْإِيمَانَ يَكْمُلُ بَعْدَ أَصْلِهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، فَقَالَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ : nindex.php?page=hadith&LINKID=687940 " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا " فِي الْإِيمَانِ ، كَأَحْسَنِهِمْ خُلُقًا ، فَإِنَّهُ مُسَاوِيَةٌ فِي الْكَمَالِ ، فَقَدْ عَانَدَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَلَّبَ مَا شَهِدَ بِهِ بِأَحْسَنِ الْمُؤْمِنِينَ خُلُقًا ، فَجَعَلَهُ لِأَسْوَئِهِمْ خُلُقًا ، لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ ، لَكَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ حَدَّ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ النَّارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=656886 " أَخْرِجُوا مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ ، مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ ، مِثْقَالَ شَعِيرَةٍ ، مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ، مِثْقَالَ خَرْدَلَةٍ " .
فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ مُسْتَوِيًا فِي الْوَزْنِ ، فَقَدْ عَارَضَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّدِّ ، وَمَنْ قَالَ : الَّذِي فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ ، وَلَا مُسْلِمٍ ، فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ ، وَعَلَى رَسُولِهِ ، إِذْ يَقُولُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664840 " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ مُؤْمِنَةٌ " ، فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ ، وَقَدْ جَزَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْقِلَّةِ ، وَالْكَثْرَةِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ أَقَلَّهُمْ إِيمَانًا قَدْ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ ،
[ ص: 713 ] فَثَبَتَ لَهُ بِذَلِكَ اسْمُ الْإِيمَانِ ، فَإِذَا كَانَ أَقَلُّهُمْ إِيمَانًا يَسْتَحِقُّ الِاسْمَ ، وَالْآخَرُونَ أَكْثَرُ مِنْهُ إِيمَانًا ، دَلَّ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا ، وَفَرْعًا يَسْتَحِقُّ اسْمُهُ مَنْ يَأْتِي بِأَصْلِهِ ، وَيَتَأَوَّلُونَ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ أَصْلِهِ ، فَتَرَكُوا أَنْ يَضْرِبُوا النَّخْلَةَ مَثَلًا لِلْإِيمَانِ ، مَثَلًا كَمَا ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيَجْعَلُ الْإِيمَانَ لَهُ شُعَبًا كَمَا جَعَلَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَشْهَدُوا بِالْأَصْلِ ، وَبِالْفُرُوعِ ، وَيَشْهَدُوا بِالزِّيَادَةِ إِذَا أَتَى بِالْأَعْمَالِ ، كَمَا أَنَّ النَّخْلَةَ فُرُوعَهَا ، وَشُعَبَهَا أَكْمَلُ لَهَا ، وَهِيَ مُزْدَادَةٌ بَعْدَ مَا ثَبَتَ الْأَصْلُ شُعَبًا ، وَفَرْعًا ، فَقَدْ كَانَ يَحِقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنْزِلُوا الْمُؤْمِنَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ ، فَيَشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ ، إِذْ أَتَى بِالْإِقْرَارِ بِالْقَلْبِ ، وَاللِّسَانِ ، وَيَشْهَدُوا لَهُ بِالزِّيَادَةِ ، كُلَّمَا ازْدَادَ عَمَلًا مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي سَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُعَبًا لِلْإِيمَانِ ، وَكَانَ كُلَّمَا ضَيَّعَ مِنْهَا شُعْبَةً ، عَلِمُوا أَنَّهُ مِنَ الْكَمَالِ ، أَنْقُصُ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ قَامَ بِهَا ، فَلَا يُزِيلُوا عَنْهُ اسْمَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَزُولَ الْأَصْلُ ، وَلَيْسَتِ الْعَشَرَةُ مِثْلَ الْإِيمَانِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ إِلَّا كَالْفَرْعِ : الْعَاشِرُ دِرْهَمٌ ، وَالْأَوَّلُ دِرْهَمٌ ، فَإِنَّمَا مَثَلُ أَصْلِهَا مَثَلُ الْفِضَّةِ ، وَالْفِضَّةُ كَمَثَلِ التَّصْدِيقِ ، فَلَوْ كَانَتْ نَقْرَةٌ فِيهَا عَشْرَةٌ ، ثُمَّ نَقَصَتْ حَبَّةٌ لَسُمِّيَتْ فِضَّةً ، لِأَنَّ الْفِضَّةَ جَامِعٌ لِاسْمِهَا ، قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ ، لِأَنَّهَا أَصْلٌ قَائِمٌ أَبَدًا مَا دَامَ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَلَيْسَتِ
[ ص: 714 ] الْعَشَرَةُ كَذَلِكَ لَيْسَ أَوَّلُهَا بِأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لَهَا مِنْ آخِرِهَا ، لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ مُتَفَرِّقَةٌ ، فَكَمَا بُدِئَ بِالدِّرْهَمِ الْأَوَّلِ بِالْعَدَدِ ، فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْعَاشِرُ ، فَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَحَقَّ بِأَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِبَعْضٍ مِنَ الْآخَرِ ، إِنَّمَا أَصْلُهَا الْفِضَّةُ .