محمد بن نصر
ابن الحجاج المروزي الإمام ، شيخ الإسلام
أبو عبد الله الحافظ .
مولده
ببغداد في سنة اثنتين ومائتين ومنشؤه
بنيسابور ، ومسكنه
سمرقند . كان أبوه مروزيا ، ولم يرفع لنا في نسبه .
ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم فقال : إمام عصره بلا مدافعة في الحديث .
سمع
بخراسان من
يحيى بن يحيى التميمي ،
وأبي خالد يزيد بن صالح ،
وعمرو بن زرارة ،
وصدقة بن الفضل المروزي ، nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16609وعلي بن حجر .
وبالري :
محمد بن مهران الجمال ،
ومحمد بن مقاتل ،
[ ص: 34 ] ومحمد بن حميد ، وطائفة .
وببغداد :
محمد بن بكار بن الريان ،
nindex.php?page=showalam&ids=15036وعبيد الله بن عمر القواريري ، والطبقة .
وبالبصرة : nindex.php?page=showalam&ids=16131شيبان بن فروخ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17233وهدبة بن خالد ،
وعبد الواحد بن غياث ، وعدة .
وبالكوفة :
nindex.php?page=showalam&ids=13608محمد بن عبد الله بن نمير ،
وهنادا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ، وطائفة .
وبالمدينة :
أبا مصعب ،
وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، وطائفة .
وبالشام :
هشام بن عمار ،
ودحيما .
قلت :
وبمصر من
يونس الصدفي ،
والربيع المرادي ،
وأبي إسماعيل المزني ، وأخذ عنه كتب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ضبطا وتفقها ، وكتب الكثير ، وبرع في علوم الإسلام ، وكان إماما مجتهدا علامة ، من أعلم أهل زمانه باختلاف الصحابة والتابعين ، قل أن ترى العيون مثله .
قال
أبو بكر الخطيب حدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=16508عبدان بن عثمان . ثم سمى جماعة ، وقال : كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام .
قلت : يقال : إنه كان أعلم الأئمة باختلاف العلماء على الإطلاق .
حدث عنه :
أبو العباس السراج ،
nindex.php?page=showalam&ids=16116ومحمد بن المنذر شكر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12773وأبو حامد بن الشرقي ،
وأبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم ،
وأبو النضر محمد بن محمد الفقيه ، وولده
إسماعيل بن محمد بن نصر ،
ومحمد بن إسحاق السمرقندي ، وخلق سواهم .
قال
أبو بكر الصيرفي من الشافعية : لو لم يصنف
ابن نصر إلا كتاب : " القسامة " لكان من أفقه الناس .
وقال
أبو بكر بن إسحاق الصبغي ، وقيل له : ألا تنظر إلى تمكن
أبي [ ص: 35 ] علي الثقفي في عقله ؟ فقال : ذاك عقل الصحابة والتابعين من
أهل المدينة . قيل : وكيف ذاك ؟ قال : إن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا كان من أعقل أهل زمانه ، وكان يقال : صار إليه عقل الذين جالسهم من التابعين ، فجالسه
يحيى بن يحيى النيسابوري ، فأخذ من عقله وسمته ، ثم جالس
يحيى بن يحيى محمد بن نصر سنين ، حتى أخذ من سمته وعقله ، فلم ير بعد
يحيى من
فقهاء خراسان أعقل من
ابن نصر ، ثم إن
أبا علي الثقفي جالسه أربع سنين ، فلم يكن بعده أعقل من
أبي علي .
قال
عبد الله بن محمد الإسفراييني : سمعت
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول : كان
محمد بن نصر بمصر إماما . فكيف
بخراسان ؟
وقال القاضي
محمد بن محمد : كان الصدر الأول من مشايخنا يقولون : رجال خراسان أربعة :
ابن المبارك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وابن راهويه ،
ويحيى بن يحيى ،
nindex.php?page=showalam&ids=15045ومحمد بن نصر . ومن كلام
محمد بن نصر قال : لما كانت المعاصي بعضها كفرا ، وبعضها ليس بكفر ، فرق -تعالى- بينها ، فجعلها ثلاثة أنواع : فنوع منها كفر ، ونوع منها فسوق ، ونوع منها عصيان ، ليس بكفر ولا فسوق . وأخبر أنه كرهها كلها إلى المؤمنين ، ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان ، وليس فيها شيء خارج عنه ، لم يفرق بينها ، فما قال : حبب إليكم الإيمان والفرائض وسائر الطاعات ، بل أجمل ذلك فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7حبب إليكم الإيمان فدخل فيه جميع الطاعات ; لأنه قد حبب إليهم الصلاة والزكاة ، وسائر الطاعات حب تدين ، ويكرهون المعاصي كراهية تدين ، ومنه قوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=881185من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن .
[ ص: 36 ] وقال
أبو عبد الله بن الأخرم : انصرف
محمد بن نصر من الرحلة الثانية سنة ستين ومائتين ، فاستوطن
نيسابور ، فلم تزل تجارته
بنيسابور ، أقام مع شريك له مضارب ، وهو يشتغل بالعلم والعبادة ، ثم خرج سنة خمس وسبعين إلى
سمرقند ، فأقام بها وشريكه
بنيسابور ، وكان وقت مقامه
بنيسابور هو المقدم والمفتي بعد وفاة
محمد بن يحيى ; فإن حيكان -يعني
يحيى ولد محمد بن يحيى - ومن بعده أقروا له بالفضل والتقدم .
قال
ابن الأخرم الحافظ : أخبرنا
إسماعيل بن قتيبة : سمعت
محمد بن يحيى غير مرة إذا سئل عن مسألة يقول : سلوا
أبا عبد الله المروزي .
وقال
أبو بكر الصبغي : أدركت إمامين لم أرزق السماع منهما :
nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم الرازي ،
nindex.php?page=showalam&ids=17032ومحمد بن نصر المروزي ;
فأما ابن نصر فما رأيت أحسن صلاة منه ، لقد بلغني أن زنبورا قعد على جبهته ، فسال الدم على وجهه ، ولم يتحرك .
وقال
محمد بن يعقوب بن الأخرم : ما رأيت أحسن صلاة من
محمد بن نصر ; كان الذباب يقع على أذنه ، فيسيل الدم ، ولا يذبه عن نفسه ، ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيئته للصلاة ، كان يضع ذقنه
[ ص: 37 ] على صدره ، فينتصب كأنه خشبة منصوبة . قال : وكان من أحسن الناس خلقا ، كأنما فقئ في وجهه حب الرمان ، وعلى خديه كالورد ، ولحيته بيضاء .
قال
أحمد بن إسحاق الصبغي : سمعت
محمد بن عبد الوهاب الثقفي يقول : كان
إسماعيل بن أحمد -والي
خراسان - يصل
محمد بن نصر في العام بأربعة آلاف درهم ، ويصله أخوه
إسحاق بمثلها ، ويصله
أهل سمرقند بمثلها ، فكان ينفقها من السنة إلى السنة ، من غير أن يكون له عيال ، فقيل له : لو ادخرت لنائبة ؟ فقال : سبحان الله ! أنا بقيت
بمصر كذا كذا سنة ، قوتي ، وثيابي ، وكاغدي وحبري وجميع ما أنفقه على نفسي في السنة عشرون درهما ، فترى إن ذهب ذا لا يبقى ذاك ! .
قال
الحافظ السليماني :
محمد بن نصر إمام الأئمة الموفق من السماء ، سكن
سمرقند ، سمع
يحيى بن يحيى ،
وعبدان ،
وعبد الله المسندي ، وإسحاق ، وله كتاب " تعظيم قدر الصلاة " ، وكتاب " رفع اليدين " ، وغيرهما من الكتب المعجزة . كذا قال
السليماني ، ولا معجز إلا القرآن . ثم قال : مات هو
وصالح جزرة في سنة أربع وتسعين أنبأني
أبو الغنائم القيسي وجماعة سمعوا
أبا اليمن الكندي : أخبرنا
أبو منصور القزاز ، أخبرنا
أبو بكر الخطيب ، أخبرنا
الجوهري ، أخبرنا
ابن حيويه ، حدثنا
عثمان بن جعفر اللبان ، حدثني
محمد بن نصر قال : خرجت من
مصر ومعي جارية ، فركبت البحر أريد
مكة ، فغرقت ، فذهب مني ألفا
[ ص: 38 ] جزء ، وصرت إلى جزيرة أنا وجاريتي ، فما رأينا فيها أحدا ، وأخذني العطش فلم أقدر على الماء ، فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلما للموت ، فإذا رجل قد جاءني ومعه كوز ، فقال لي : هاه . فشربت وسقيتها ، ثم مضى ، فما أدري من أين جاء ؟ ولا من أين راح ؟ .
وفي " الطبقات "
لأبي إسحاق : ولد
محمد بن نصر ببغداد ، ونشأ
بنيسابور ، واستوطن
سمرقند .
روي عنه أنه قال : لم يكن لي حسن رأي في
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فبينا أنا قاعد في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- أغفيت ، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام ، فقلت : يا رسول الله ، أكتب رأي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان ، وقال : تقول رأي ؟ ليس هو بالرأي ، هو رد على من خالف سنتي . فخرجت في أثر هذه الرؤيا إلى
مصر ، فكتبت كتب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
قال
أبو إسحاق : وصنف
ابن نصر كتبا ، ضمنها الآثار والفقه ، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام ، وصنف كتابا فيما خالف
أبو حنيفة عليا nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود .
قال
أبو بكر الصيرفي : لو لم يصنف إلا كتاب : " القسامة " لكان من أفقه الناس ، كيف وقد صنف سواه ؟ !
قال الوزير
أبو الفضل محمد بن عبيد الله البلعمي سمعت الأمير
إسماعيل بن أحمد يقول : كنت
بسمرقند ، فجلست يوما للمظالم ، وجلس
[ ص: 39 ] أخي
إسحاق إلى جنبي ، إذ دخل
أبو عبد الله محمد بن نصر ، فقمت له إجلالا للعلم ، فلما خرج عاتبني أخي وقال : أنت والي
خراسان تقوم لرجل من الرعية ؟ هذا ذهاب السياسة . قال : فبت تلك الليلة وأنا متقسم القلب ، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام ، كأني واقف مع أخي
إسحاق ، إذ أقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فأخذ بعضدي ، فقال لي : ثبت ملكك وملك بنيك بإجلالك
محمد بن نصر . ثم التفت إلى
إسحاق ، فقال : ذهب ملك إسحاق ، وملك بنيه باستخفافه
بمحمد بن نصر .
قلت : كان
محمد بن نصر زوج أخت
nindex.php?page=showalam&ids=17299يحيى بن أكثم القاضي ، واسمها :
خنة ، بمعجمة ثم نون مات بعد أيام قلائل من موت
صالح بن محمد جزرة ، وذلك في المحرم ، سنة أربع وتسعين ومائتين .
قال
الحافظ أبو عبد الله بن مندة في مسألة الإيمان : صرح
محمد بن نصر في كتاب " الإيمان " بأن الإيمان مخلوق ، وأن الإقرار ، والشهادة ، وقراءة القرآن بلفظه مخلوق ، ثم قال : وهجره على ذلك علماء وقته ، وخالفه أئمة
خراسان والعراق .
قلت : الخوض في ذلك لا يجوز ، وكذلك لا يجوز أن يقال : الإيمان ، والإقرار ، والقراءة ، والتلفظ بالقرآن غير مخلوق ، فإن الله خلق العباد وأعمالهم ، والإيمان : قول وعمل ، والقراءة والتلفظ : من كسب القارئ ، والمقروء الملفوظ : هو كلام الله ووحيه وتنزيله ، وهو غير مخلوق ، وكذلك كلمة الإيمان ، وهي قول ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) ، داخلة في القرآن ، وما كان من القرآن فليس بمخلوق ، والتكلم بها
[ ص: 40 ] من فعلنا ، وأفعالنا مخلوقة ، ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه ؛ لما سلم معنا لا
ابن نصر ، ولا
ابن مندة ، ولا من هو أكبر منهما ، والله هو هادي الخلق إلى الحق ، وهو أرحم الراحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة .
قال
أبو محمد بن حزم في بعض تواليفه : أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن ، وأضبطهم لها ، وأذكرهم لمعانيها ، وأدراهم بصحتها ، وبما أجمع الناس عليه مما اختلفوا فيه .
قال : وما نعلم هذه الصفة -بعد الصحابة- أتم منها في
محمد بن نصر المروزي ، فلو قال قائل : ليس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث ولا لأصحابه إلا وهو
عند محمد بن نصر ، لما أبعد عن الصدق .
قلت : هذه السعة والإحاطة ما ادعاها
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم لابن نصر إلا بعد إمعان النظر في جماعة تصانيف
لابن نصر ، ويمكن ادعاء ذلك لمثل
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ونظرائه ، والله أعلم .
مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ
ابْنِ الْحَجَّاجِ الْمَرْوَزِيُّ الْإِمَامُ ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ .
مَوْلِدُهُ
بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَمَنْشَؤُهُ
بِنَيْسَابُورَ ، وَمَسْكَنُهُ
سَمَرْقَنْدَ . كَانَ أَبُوهُ مَرْوَزِيًّا ، وَلَمْ يُرْفَعْ لَنَا فِي نَسَبِهِ .
ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ فَقَالَ : إِمَامُ عَصْرِهِ بِلَا مُدَافَعَةٍ فِي الْحَدِيثِ .
سَمِعَ
بِخُرَاسَانَ مِنْ
يَحْيَى بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ ،
وَأَبِي خَالِدٍ يَزِيدَ بْنِ صَالِحٍ ،
وَعَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ ،
وَصَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ الْمَرْوَزِيِّ ، nindex.php?page=showalam&ids=12418وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16609وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ .
وَبِالرَّيِّ :
مُحَمَّدَ بْنَ مِهْرَانَ الْجَمَّالَ ،
وَمُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ ،
[ ص: 34 ] وَمُحَمَّدَ بْنَ حُمَيْدٍ ، وَطَائِفَةً .
وَبِبَغْدَادَ :
مُحَمَّدَ بْنَ بِكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15036وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيَّ ، وَالطَّبَقَةَ .
وَبِالْبَصْرَةِ : nindex.php?page=showalam&ids=16131شَيْبَانَ بْنَ فَرُّوخٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17233وَهُدْبَةَ بْنَ خَالِدٍ ،
وَعَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ غِيَاثٍ ، وَعِدَّةً .
وَبِالْكُوفَةِ :
nindex.php?page=showalam&ids=13608مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ،
وَهَنَّادًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وَابْنَ أَبِي شَيْبَةَ ، وَطَائِفَةً .
وَبِالْمَدِينَةِ :
أَبَا مُصْعَبٍ ،
وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيَّ ، وَطَائِفَةً .
وَبِالشَّامِ :
هِشَامَ بْنَ عَمَّارٍ ،
وَدُحَيْمًا .
قُلْتُ :
وَبِمِصْرَ مِنْ
يُونُسَ الصَّدَفِيِّ ،
وَالرَّبِيعِ الْمُرَادِيِّ ،
وَأَبِي إِسْمَاعِيلَ الْمُزَنِيِّ ، وَأَخَذَ عَنْهُ كُتُبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ضَبْطًا وَتَفَقُّهًا ، وَكَتَبَ الْكَثِيرَ ، وَبَرَعَ فِي عُلُومِ الْإِسْلَامِ ، وَكَانَ إِمَامًا مُجْتَهِدًا عَلَّامَةً ، مِنْ أَعْلَمِ أَهْلِ زَمَانِهِ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، قَلَّ أَنْ تَرَى الْعُيُونُ مِثْلَهُ .
قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ حَدَّثَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16508عَبْدَانَ بْنِ عُثْمَانَ . ثُمَّ سَمَّى جَمَاعَةً ، وَقَالَ : كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْأَحْكَامِ .
قُلْتُ : يُقَالُ : إِنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ الْأَئِمَّةِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ .
حَدَّثَ عَنْهُ :
أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16116وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذرِ شَكَّرُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12773وَأَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ ،
وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْأَخْرَمِ ،
وَأَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ ، وَوَلَدُهُ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّمَرْقَنْدِيُّ ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ .
قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ : لَوْ لَمْ يُصَنِّفِ
ابْنُ نَصْرٍ إِلَّا كِتَابَ : " الْقَسَامَةِ " لَكَانَ مِنْ أَفْقَهِ النَّاسِ .
وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ بْنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيُّ ، وَقِيلَ لَهُ : أَلَا تَنْظُرُ إِلَى تَمَكُّنِ
أَبِي [ ص: 35 ] عَلِيٍّ الثَّقَفِيِّ فِي عَقْلِهِ ؟ فَقَالَ : ذَاكَ عَقْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ . قِيلَ : وَكَيْفَ ذَاكَ ؟ قَالَ : إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكًا كَانَ مِنْ أَعْقَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ ، وَكَانَ يُقَالُ : صَارَ إِلَيْهِ عَقْلُ الَّذِينَ جَالَسَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ، فَجَالَسَهُ
يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ ، فَأَخَذَ مِنْ عَقْلِهِ وَسَمْتِهِ ، ثُمَّ جَالَسَ
يَحْيَى بْنَ يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ سِنِينَ ، حَتَّى أَخَذَ مِنْ سَمْتِهِ وَعَقْلِهِ ، فَلَمْ يُرَ بَعْدَ
يَحْيَى مِنْ
فُقَهَاءِ خُرَاسَانَ أَعْقَلُ مِنَ
ابْنِ نَصْرٍ ، ثُمَّ إِنَّ
أَبَا عَلِيٍّ الثَّقَفِيَّ جَالَسَهُ أَرْبَعَ سِنِينَ ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ أَعْقَلُ مِنْ
أَبِي عَلِيٍّ .
قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإسْفَرَايِينِيُّ : سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَقُولُ : كَانَ
مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بِمِصْرَ إِمَامًا . فَكَيْفَ
بِخُرَاسَانَ ؟
وَقَالَ الْقَاضِي
مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ : كَانَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنْ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ : رِجَالُ خُرَاسَانَ أَرْبَعَةٌ :
ابْنُ الْمُبَارَكِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وَابْنُ رَاهَوَيْهِ ،
وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى ،
nindex.php?page=showalam&ids=15045وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ . وَمِنْ كَلَامِ
مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ قَالَ : لَمَّا كَانَتِ الْمَعَاصِي بَعْضُهَا كُفْرًا ، وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِكُفْرٍ ، فَرَّقَ -تَعَالَى- بَيْنَهَا ، فَجَعَلَهَا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ : فَنَوْعٌ مِنْهَا كُفْرٌ ، وَنَوْعٌ مِنْهَا فُسُوقٌ ، وَنَوْعٌ مِنْهَا عِصْيَانٌ ، لَيْسَ بِكُفْرٍ وَلَا فُسُوقٍ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَرَّهَهَا كُلَّهَا إِلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَمَّا كَانَتِ الطَّاعَاتُ كُلُّهَا دَاخِلَةً فِي الْإِيمَانِ ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْهُ ، لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا ، فَمَا قَالَ : حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَالْفَرَائِضَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ ، بَلْ أَجْمَلَ ذَلِكَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ فَدَخَلَ فِيهِ جَمِيعُ الطَّاعَاتِ ; لِأَنَّهُ قَدْ حَبَّبَ إِلَيْهِمُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ ، وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ حُبَّ تَدَيُّنٍ ، وَيَكْرَهُونَ الْمَعَاصِيَ كَرَاهِيَةَ تَدَيُّنٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=881185مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ ، وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ .
[ ص: 36 ] وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْأَخْرَمِ : انْصَرَفَ
مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنَ الرِّحْلَةِ الثَّانِيَةِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ ، فَاسْتَوْطَنَ
نَيْسَابُورَ ، فَلَمْ تَزَلْ تِجَارَتُهُ
بِنَيْسَابُورَ ، أَقَامَ مَعَ شَرِيكٍ لَهُ مُضَارِبٌ ، وَهُوَ يَشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ ، ثُمَّ خَرَجَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ إِلَى
سَمَرْقَنْدَ ، فَأَقَامَ بِهَا وَشَرِيكُهُ
بِنَيْسَابُورَ ، وَكَانَ وَقْتُ مُقَامِهِ
بِنَيْسَابُورَ هُوَ الْمُقَدَّمُ وَالْمُفْتِي بَعْدَ وَفَاةِ
مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى ; فَإِنَّ حَيْكَانَ -يَعْنِي
يَحْيَى وَلَدَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى - وَمَنْ بَعْدَهُ أَقَرُّوا لَهُ بِالْفَضْلِ وَالتَّقَدُّمِ .
قَالَ
ابْنُ الْأَخْرَمِ الْحَافِظُ : أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ : سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى غَيْرَ مَرَّةٍ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَقُولُ : سَلُوا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيَّ .
وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيُّ : أَدْرَكْتُ إِمَامَيْنِ لَمْ أُرْزَقِ السَّمَاعَ مِنْهُمَا :
nindex.php?page=showalam&ids=11970أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17032وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ ;
فَأَمَّا ابْنُ نَصْرٍ فَمَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ صَلَاةً مِنْهُ ، لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ زُنْبُورًا قَعَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ ، فَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ ، وَلَمْ يَتَحَرَّكْ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْأَخْرَمِ : مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ صَلَاةً مِنْ
مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ ; كَانَ الذُّبَابُ يَقَعُ عَلَى أُذُنِهِ ، فَيَسِيلُ الدَّمُ ، وَلَا يَذُّبُّهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَلَقَدْ كُنَّا نَتَعَجَّبُ مِنْ حُسْنِ صَلَاتِهِ وَخُشُوعِهِ وَهَيْئَتِهِ لِلْصَّلَاةِ ، كَانَ يَضَعُ ذَقْنَهُ
[ ص: 37 ] عَلَى صَدْرِهِ ، فَيَنْتَصِبُ كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ مَنْصُوبَةٌ . قَالَ : وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خَلْقًا ، كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ ، وَعَلَى خَدَّيْهِ كَالْوَرْدِ ، وَلِحْيَتُهُ بَيْضَاءُ .
قَالَ
أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيُّ : سَمِعْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ : كَانَ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ -وَالِي
خُرَاسَانَ - يَصِلُ
مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ فِي الْعَامِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَيَصِلُهُ أَخُوهُ
إِسْحَاقُ بِمِثْلِهَا ، وَيَصِلُهُ
أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ بِمِثْلِهَا ، فَكَانَ يُنْفِقُهَا مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِيَالٌ ، فَقِيلَ لَهُ : لَوِ ادَّخَرْتَ لِنَائِبَةٍ ؟ فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! أَنَا بَقِيتُ
بِمِصْرَ كَذَا كَذَا سَنَةٍ ، قُوْتِي ، وَثِيَابِي ، وَكَاغَدِي وَحِبْرِي وَجَمِيعُ مَا أُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِي فِي السَّنَةِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا ، فَتَرَى إِنْ ذَهَبَ ذَا لَا يَبْقَى ذَاكَ ! .
قَالَ
الْحَافِظُ السُّلَيْمَانِيُّ :
مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ الْمُوَفَّقُ مِنَ السَّمَاءِ ، سَكَنَ
سَمَرْقَنْدَ ، سَمِعَ
يَحْيَى بْنَ يَحْيَى ،
وَعَبْدَانَ ،
وَعَبْدَ اللَّهِ الْمُسْنَدِيَّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَلَهُ كِتَابُ " تَعْظِيمُ قَدْرِ الصَّلَاةِ " ، وَكِتَابُ " رَفْعِ الْيَدَيْنِ " ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْجِزَةِ . كَذَا قَالَ
السُّلَيْمَانِيُّ ، وَلَا مُعْجِزَ إِلَّا الْقُرْآنُ . ثُمَّ قَالَ : مَاتَ هُوَ
وَصَالِحٌ جَزَرَةُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ أَنْبَأَنِي
أَبُو الْغَنَائِمِ الْقَيْسِيُّ وَجَمَاعَةٌ سَمِعُوا
أَبَا الْيُمْنِ الْكِنْدِيَّ : أَخْبَرَنَا
أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ ، أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ ، أَخْبَرَنَا
الْجَوْهَرِيُّ ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ حَيَّوَيْهِ ، حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ جَعْفَرٍ الْلَّبَّانُ ، حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : خَرَجْتُ مِنْ
مِصْرَ وَمَعِي جَارِيَةٌ ، فَرَكِبْتُ الْبَحْرَ أُرِيدُ
مَكَّةَ ، فَغَرِقْتُ ، فَذَهَبَ مِنِّي أَلْفَا
[ ص: 38 ] جُزْءٍ ، وَصِرْتُ إِلَى جَزِيرَةٍ أَنَا وَجَارِيَتِي ، فَمَا رَأَيْنَا فِيهَا أَحَدًا ، وَأَخَذَنِي الْعَطَشُ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ ، فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى فَخِذِ جَارِيَتِي مُسْتَسْلِمًا لِلْمَوْتِ ، فَإِذَا رَجُلٌ قَدْ جَاءَنِي وَمَعَهُ كُوْزٌ ، فَقَالَ لِي : هَاهَ . فَشَرِبْتُ وَسَقَيْتُهَا ، ثُمَّ مَضَى ، فَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَ ؟ وَلَا مِنْ أَيْنَ رَاحَ ؟ .
وَفِي " الطَّبَقَاتِ "
لِأَبِي إِسْحَاقَ : وُلِدَ
مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بِبَغْدَادَ ، وَنَشَأَ
بِنَيْسَابُورَ ، وَاسْتَوْطَنَ
سَمَرْقَنْدَ .
رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَكُنْ لِي حُسْنُ رَأْيٍ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، فَبَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَغْفَيْتُ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَنَامِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَكْتُبُ رَأْيَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ؟ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ شِبْهَ الْغَضْبَانِ ، وَقَالَ : تَقُولُ رَأْيٌ ؟ لَيْسَ هُوَ بِالرَّأْيِ ، هُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ خَالَفَ سُنَّتِي . فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِ هَذِهِ الرُّؤْيَا إِلَى
مِصْرَ ، فَكَتَبْتُ كُتُبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ .
قَالَ
أَبُو إِسْحَاقَ : وَصَنَّفَ
ابْنُ نَصْرٍ كُتُبًا ، ضَمَّنَهَا الْآثَارَ وَالْفِقْهَ ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْأَحْكَامِ ، وَصَنَّفَ كِتَابًا فِيمَا خَالَفَ
أَبُو حَنِيفَةَ عَلِيَّا nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنَ مَسْعُودٍ .
قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ : لَوْ لَمْ يُصَنِّفْ إِلَّا كِتَابَ : " الْقَسَامَةِ " لَكَانَ مِنْ أَفْقَهِ النَّاسِ ، كَيْفَ وَقَدْ صَنَّفَ سِوَاهُ ؟ !
قَالَ الْوَزِيرُ
أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَلْعَمِيُّ سَمِعْتُ الْأَمِيرَ
إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَحْمَدَ يَقُولُ : كُنْتُ
بِسَمَرْقَنْدَ ، فَجَلَسْتُ يَوْمًا لِلْمَظَالِمِ ، وَجَلَسَ
[ ص: 39 ] أَخِي
إِسْحَاقُ إِلَى جَنْبِي ، إِذْ دَخَلَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ ، فَقُمْتُ لَهُ إِجْلَالًا لِلْعِلْمِ ، فَلَمَّا خَرَجَ عَاتَبَنِي أَخِي وَقَالَ : أَنْتَ وَالِي
خُرَاسَانَ تَقُومُ لِرَجُلٍ مِنَ الْرَّعِيَّةِ ؟ هَذَا ذَهَابُ السِّيَاسَةِ . قَالَ : فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَنَا مُتَقَسِّمُ الْقَلْبِ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَنَامِ ، كَأَنِّي وَاقِفٌ مَعَ أَخِي
إِسْحَاقَ ، إِذْ أَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَأَخَذَ بِعَضُدِي ، فَقَالَ لِي : ثَبَتَ مُلْكُكَ وَمُلْكُ بَنِيكَ بِإِجْلَالِكَ
مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ . ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى
إِسْحَاقَ ، فَقَالَ : ذَهَبَ مُلْكُ إِسْحَاقَ ، وَمُلْكُ بَنِيهِ بِاسْتِخْفَافِهِ
بِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ .
قُلْتُ : كَانَ
مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ زَوْجَ أُخْتِ
nindex.php?page=showalam&ids=17299يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ الْقَاضِي ، وَاسْمُهَا :
خَنَّةُ ، بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ قَلَائِلَ مِنْ مَوْتِ
صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ جَزَرَةَ ، وَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ .
قَالَ
الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِيمَانِ : صَرَّحَ
مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ " الْإِيمَانِ " بِأَنَّ الْإِيمَانَ مَخْلُوقٌ ، وَأَنَّ الْإِقْرَارَ ، وَالشَّهَادَةَ ، وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِلَفْظِهِ مَخْلُوقٌ ، ثُمَّ قَالَ : وَهَجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ وَقْتِهِ ، وَخَالَفَهُ أَئِمَّةُ
خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ .
قُلْتُ : الْخَوْضُ فِي ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : الْإِيمَانُ ، وَالْإِقْرَارُ ، وَالْقِرَاءَةُ ، وَالتَّلَفُّظُ بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعِبَادَ وَأَعْمَالَهُمْ ، وَالْإِيمَانُ : قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، وَالْقِرَاءَةُ وَالتَّلَفُّظُ : مِنْ كَسْبِ الْقَارِئِ ، وَالْمَقْرُوءُ الْمَلْفُوظُ : هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيلُهُ ، وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، وَكَذَلِكَ كَلِمَةُ الْإِيمَانِ ، وَهِيَ قَوْلُ ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ) ، دَاخِلَةٌ فِي الْقُرْآنِ ، وَمَا كَانَ مِنَ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ ، وَالتَّكَلُّمُ بِهَا
[ ص: 40 ] مِنْ فِعْلِنَا ، وَأَفْعَالُنَا مَخْلُوقَةٌ ، وَلَوْ أَنَّا كُلَّمَا أَخْطَأَ إِمَامٌ فِي اجْتِهَادِهِ فِي آحَادِ الْمَسَائِلِ خَطَأً مَغْفُورًا لَهُ قُمْنَا عَلَيْهِ وَبدَّعْنَاهُ وَهَجَرْنَاهُ ؛ لَمَا سَلِمَ مَعَنَا لَا
ابْنُ نَصْرٍ ، وَلَا
ابْنُ مَنْدَةَ ، وَلَا مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمَا ، وَاللَّهُ هُوَ هَادِي الْخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْهَوَى وَالْفَظَاظَةِ .
قَالَ
أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي بَعْضِ تَوَالِيفِهِ : أَعْلَمُ النَّاسِ مَنْ كَانَ أَجْمَعَهُمْ لِلسُّنَنِ ، وَأَضْبَطَهُمْ لَهَا ، وَأَذْكَرَهُمْ لِمَعَانِيهَا ، وَأَدْرَاهُمْ بِصِحَّتِهَا ، وَبِمَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ .
قَالَ : وَمَا نَعْلَمُ هَذِهِ الصِّفَةَ -بَعْدَ الصَّحَابَةِ- أَتَمَّ مِنْهَا فِي
مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ ، فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : لَيْسَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثٌ وَلَا لِأَصْحَابِهِ إِلَّا وَهُوَ
عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ ، لَمَا أَبْعَدَ عَنِ الصِّدْقِ .
قُلْتُ : هَذِهِ السِّعَةُ وَالْإِحَاطَةُ مَا ادَّعَاهَا
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ لِابْنِ نَصْرٍ إِلَّا بَعْدَ إِمْعَانِ النَّظَرِ فِي جُمَّاعَةِ تَصَانِيفَ
لِابْنِ نَصْرٍ ، وَيُمْكِنُ ادِّعَاءُ ذَلِكَ لِمِثْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَنُظَرَائِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .