قال وأما اقتياسهم ترك الصلاة على ترك سائر الفرائض ، فقد ذكرنا في صدر كتابنا هذا الدليل على أبو عبد الله : وعظم القدر ما فيه كفاية ، ودليل على أنه لا يجوز أن تجعل قياسا على سائر الفرائض ، ومن قبل أن الصلاة لم تزل مفتاح شرائع دين الإسلام ، وعقده لا تزول عنه أبدا ، لم تزل مقرونة بالإيمان في دين الملائكة ، والأنبياء ، والخلق أجمعين ، لم يكن لله عز وجل دين بغيرها قط ، وسائر الفرائض ليس كذلك ، ليس على الملائكة زكاة ، ولا صيام ، ولا حج ، والصلاة لا تسقط عنهم ، ولا يزايل التوحيد ، فهي أعم الشرائع فرضا ، بها يفتتح الله ذكرها ، وبها يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلام الإيمان ، أينما ذكرها ، وهي أخص الفرائض لزوما للداخل في الإسلام ، وأشهرها منارا للدين ، ومعلما بين المسلمين ، والمشركين . تعظيم قدر الصلاة ، ومباينتها سائر الأعمال في الفضل ،
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما ، لم يغز عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذانا أمسك ، وإن لم يسمعه أغار عليهم . [ ص: 1003 ]
وكذلك كان الصديق رضي الله عنه يفعل ، فهي أشهر معالم التوحيد منارا بين ملة الإسلام ، وملة الكفر ، لن يستحق دين الإسلام ، ومشاركة أهل الملة ، ومباينة ملة الكفر إلا بإقامتها ، فإن تركتها العامة ، انطمس منار الدين كله ، فلا يبقى للدين رسم ، ولا علم يعرف به ، فليس تعطيل ما لو تركته العامة ، شملهم تعطيل الدين حتى لا يبقى له رسم كترك ما لا يشمل العامة ، فالصلاة شاملة لهم ، يجمعهم إقامتها على مباينة ملة الكفر ، شهر الله تعالى أمرها بالنداء إليها ، والتجمع فيها على إقامتها ، وجعلها الشرع في الملة ، فمن تخلى منها ، فما حظه في الإسلام بلا مصداق ، ولا علم تحققه به ، وهو كما قال رضي الله عنه : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . عمر
وقال رضي الله عنه : لا دين لمن لا صلاة له . عبد الله بن مسعود
وكذلك الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ص: 1004 ] " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها ، فقد كفر " .
وأكثر من ذلك كله ما قد تلوناه من كتاب الله عز وجل في صدر كتابنا من إيعاده مضيع الصلاة ، وتاركها الوعيد الغليظ الذي لم يفعله بمضيع سائر الفرائض ، نحو قوله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) .