. السابع من شعب الإيمان ، وهو باب في الإيمان بالبعث والنشور بعد الموت
وآيات القرآن في البعث كثيرة فمنها : قول الله عز وجل : ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ) .
وقوله : ( قل الله يحييكم ثم يميتكم ) الآية ، وقوله : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ، وأنكم إلينا لا ترجعون ) " .
وروينا عن عن مطر الوراق ، عن عبد الله بن بريدة ، ، عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عمر ، عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإيمان قال : فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وبالبعث من بعد الموت ، وبالقدر كله .
[ 253 ] " أخبرناه أبو بكر أحمد بن محمد الأشناني ، أخبرنا حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس ، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي ، ، حدثنا سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد مطر فذكره .
وهو مخرج في كتاب مسلم " [ ص: 411 ] ويجمع ما تفرق منها في البحار ، وبطون السباع وغيرها حتى تصير بهيئتها الأولى ، ثم يجمعها حية ، فيقوم الناس كلهم بأمر الله تعالى أحياء ، صغيرهم وكبيرهم حتى السقط الذي قد تم خلقه ، ونفخ فيه الروح ، فأما الذي لم يتم خلقه ، أو لم ينفخ فيه الروح أصلا ، فهو وسائر الأموات بمنزلة واحدة ، والله تعالى أعلم . والإيمان بالبعث هو أن يؤمن بأن الله تعالى يعيد الرفات من أبدان الأموات ،
وأما قول الله عز وجل في صفة القيامة : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ) .
فإنما أراد الحوامل اللاتي متن بأحمالهن ، فإذا بعثن أسقطن تلك الأحمال من فزع يوم القيامة ، ثم إن كانت الأحمال أحياء في الدنيا أسقطنها يوم القيامة أحياء ، ولا يتكرر عليها الموت ، وإن كانت الأحمال لم ينفخ فيها الروح في الدنيا ، أسقطنها أمواتا ، كما كانت ؛ لأن الإحياء إنما هو إعادة الحياة إلى من كان حيا فأميت ، ومن لم يكن له في الحياة نصيب فلا نصيب له في الحياة الآخرة .
وقد منها قول الله عز وجل : ( ذكر الله عز وجل في غير آية من كتابه إثبات البعث أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ) .
وقال : ( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ) فأحال بقدرته على إحياء الموتى على قدرته على خلق السماوات والأرض التي هي أعظم جسما من الناس . [ ص: 412 ]
ومنها قوله عز وجل : ( قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) فجعل النشأة الأولى دليلا على جواز النشأة الآخرة ؛ لأنها في معناها ، ثم قال : ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ، فإذا أنتم منه توقدون ) فجعل ظهور النار على حرها ويبسها من الشجر الأخضر على نداوته ورطوبته دليلا على جواز خلقه الحياة في الرمة البالية ، والعظام النخرة ، وقد نبهنا الله عز وجل في غير آية من كتابه على إحياء الموتى بالأرض تكون حية تنبت وتنمى ، وتثمر ، ثم تموت فتصير إلى أن لا تنبت ، وتبقى خاشعة جامدة ، ثم يحييها فتصير إلى أن تنبت وتنمى وهو الفاعل لحياتها وموتها ثم حياتها ، فإذا قدر على ذلك لم يعجزه أن يميت الإنسان ، ويسلبه معاني الحياة ، ثم يعيدها إليه ، ويجلعه كما كان .
ونبهنا بإحياء النطفة التي هي ميتة ، وخلق الحيوان منها على قدرته على إحياء الموتى فقال عز وجل : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ) يعني نطفا في الأصلاب ، والأرحام فخلقكم منها بشرا تنتشرون .
وقال تعالى : ( ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ) . [ ص: 413 ] فأعلمنا أنه إذا أخرج النطفة من صلب الأب فهي ميتة ، ثم إنه جل ثناؤه جعلها حية في رحم الأم ، يخلق من يخلق منها ، ويركب الحياة فيه فهذا إحياء ميتة في المشاهدة ، فمن يقدر على هذا لا يعجز عن أن يميت هذا الخلق ، ثم يعيده حيا ، ثم بسط هذا المعنى في آية أخرى فقال : ( ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) ونبهنا على ذلك بفلق الحب والنوى فقال عز وجل : ( إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ) .
وذلك أن الحب إذا جف ويبس بعد انتهاء نمائه وقع اليأس من ازدياده ، وكذلك النوى إذا تناهى عظمه ، وجف ويبس كانا ميتين ، ثم إنهما إذا أودعا الأرض الحية فلقهما الله تعالى ، وأخرج منهما ما يشاهد من النخل ، والزرع حيا ينشأ وينمو إلى أن يبلغ غايته ، ويدخل في هذا المعنى البيضة تفارق البائض ، ويجري عليها حكم الموت ، ثم يخلق الله منها حيا فهل هذا إلا إحياء الميتة ، وهو أمر مشاهد والعلم به ضرورى .
وقد نبهنا الله عز وجل على إحياء الموتى بما أخبر من إراءة إبراهيم عليه السلام إحياء الأموات ، وقد نقلته عامة أهل الملل .
وبما أخبر به عن الذين خرجوا من ديارهم ، وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم [ ص: 414 ]
وبما أخبر به عن الذي مر على قرية ، وهي خاوية على عروشها قال : ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) .
وبما أخبر به عن عصا موسى عليه السلام وقلبه إياه حية ، ثم إعادتها خشبة ، ثم جعلها عند محاجة السحرة حية ، ثم إعادتها خشبة ، وقد اشتركت عامة أهل الملل في نقله . وبما أخبر به من شأن أصحاب الكهف الذين ضرب على آذانهم زيادة على ثلثمائة سنة ، ثم أحياهم ليدل قومهم عندما أعثرهم عليهم على أن ما أنذروا به من البعث بعد الموت حق لا ريب فيه وقد نقلنا الآثار في شرح ذلك في الأول من كتاب " البعث والنشور " [ ص: 415 ]