السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النور الآية 33: (ولاتكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا).
السؤال: ماذا تعني كلمة البغاء في هذه الآية الكريمة؟ هل تعني الزنا؟ وإذا كانت تعني الزنا فلماذا لم يقل الله تبارك وتعالى الزنا بدل البغاء لأن الله تعالى أشار إلى الزنا بكل وضوح في الآية الثانية من نفس السورة في قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولاتأخذكم بهما رأفة في دين الله) هل أن الرجل عندما يكره بنته أو بناته على أن يصبحن راقصات أو عارضات أزياء أو يعلمهن السباحة بالملابس العارية مع الرجال أو يعلمهن الغناء بأن يصبحن مغنيات في الفرق الغنائية يعتبر هذا العمل هو الإكراه على البغاء أي يختلف عن الزنا لأن الزنا يعني الجماع أو الوطء في القبل أو في فرج المرأة ولكن الرقص بصورة عارية أمام أنظار الرجال أو الغناء بصورة شبه عارية من الملابس أو السباحة هذه الأعمال هل تعتبر إكراهاً على البغاء؟ أي البغاء الذي جاء ذكره في الآية الثالثة والثلاثين من سورة النور في القرآن الكريم.
يرجى الإجابة على السؤال وتبيان الفرق بين الزنا والبغاء لأن كل واحدة منهما جاءت في آية مختلفة من سورة النور. وجزاكم الله تعالى خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكلمة البغاء في اللغة وفي الشرع تعني الفجور، وبغت المرأة تبغي بغاء إذا فجرت أي ارتكبت فاحشة الزنا.
وكلمة البغاء في الآية المذكورة تعني الزنا، ولكن السياق الذي جاء فيه يختلف عن السياق الذي جاء فيه ذكر الزنا باللفظ.
ومن بلاغة القرآن الكريم وإعجازه أن يأتي بالألفاظ المناسبة لكل سياق، فإذا عرفنا سبب نزول الآية الكريمة: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء... والسياق الذي ورد فيه هذا اللفظ علمنا أن التعبير بهذا اللفظ في غاية البلاغة ذلك أن المقام مقام تربية وتوجيه وإبطال لما كان عليه أهل الجاهلية.
ومعرفة سبب نزول الآية والجو العام لها والسياق الذي وردت فيه معينة على فهمها، ولهذا اهتم أهل العلم بمعرفة أسباب النزول وعقدوا له الأبواب وأفرده بعضهم بكتب مستقلة.
وسبب نزول هذه الآية كما ذكر غير واحد والجو العام الذي جاءت فيه أن أهل الجاهلية كانوا يرسلون إماءهم للتكسب بكل وسيلة ومنها الزنا... وكان لعبد الله بن أبي - رأس النفاق - إمَاءً يكرههن على البغاء كسباً للمادة ورغبة في أولادهن فشكين ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {سورة النــور: 33}.
وأما قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا... {سورة النــور: 2}. فإنها جاءت في مقام التشريع وبيان حد الزنا الحقيقي، ولهذا جاء التعبير عنه بهذا اللفظ.
وأما من يكره بنته أو بناته على الأعمال المذكورة، فإن عمله أقبح من عمل أهل الجاهلية لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالإماء التي جلبوها من سوق النخاسة.. وأما بناتهم والحرائر بصفة عامة فكانوا في غاية الصيانة.
والذي يعمل الأعمال التي أشار إليها السائل الكريم يعتبر ديوثاً فاقداً للغيرة والكرامة والمروءة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يدخلون الجنة... وذكر منهم الديوث الذي يقر في أهله الخبث. رواه أحمد.
وبدلاً من رعاية الأمانة التي جعل الله تعالى تحت يديه وحفظها وتوجيهها ووقايتها من النار كما أمر الله تعالى بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا... {سورة التحريم: 6}. يدفع بها إلى الخنا والحرام لاشك أن هذا خيانة للأمانة وتضييع للدين.
نسأل الله تعالى أن يهدي الجميع ويرشدهم إلى طريق الخير.
والله أعلم.