السؤال
توفيت امرأة كانت تكفل ابنا وبنتا لأخيها من الأيتام من الأم والأب، وليس لها أبناء، ولم تتزوج إلا قبل وفاتها بأربع سنوات. وأوصت شفاهة بكل مالها، وممتلكاتها لابن وبنت أخيها، اللذين كانت تكفلهما، وكانت تعتبرهما أبناءها، ولها أخ من الأثرياء، وثلاث أخوات لا يردن شيئا من التركة. وزوجها المذكور تزوجها وهي مريضة بالسرطان، طمعا في ميراثها، فتحسنت حالتها، وشفيت من السرطان، فقاطعها، وكان سببا دائما في تدهور صحتها، وامتنع عن معاشرتها، والإنفاق عليها حتى طلبت منه الطلاق قبل وفاتها بسنتين، فظل يماطل ممنيا نفسه بموتها وهي على ذمته، ولم تكن صحتها تسعفها لمقاضاته، والطلاق منه رسميا.
فهل وصيتها التي عليها الكثير من الشهود فضلا عن وصية مكتوبة من جهة عملها لهذين الطفلين كانت تظن أنها تكفي لضمان حصولهما على كل ممتلكاتها، ولكن تبين أن تلك الوصية المكتوبة من جهة العمل لا تصلح إلا لمستحقاتها لدى العمل فقط صحيحة وتنفذ؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجوابنا على سؤالك يتلخص فيما يلي:
أولا: فما ذُكِرَ عن الزوج من أنه كان يسيء عشرة زوجته، أو هاجرًا لها في الفراش، أو لا ينفق عليها، فكل خصلة من هذه الخصال وحدها موجبة لإثم عظيم، فكيف إذا اجتمعت؟ ولكن ذلك لا يمنع الزوج من الميراث، ما دام سبب الإرث قائمًا، وهو عقد الزوجية، ولم يوجد مانع من موانع الإرث، وزواجه بها وهي في مرض مخوف زواج صحيح في قول جمهور أهل العلم، ومنع المالكية من الزواج بمن مرضه مخوف، وقد ذكرنا أقوال الفقهاء في هذه المسألة في الفتويين: 105383، 171907.
ثانيا: قد بينا ما تثبت به الوصية في الفتوى: 272308فانظرها.
ثالثا: الوصية بأكثر من ثلث التركة لمن عنده وارث غير الزوجين دائرة بين التحريم، والكراهة، ورجح كثير من أهل العلم أنها محرمة.
قال في منتهى الإرادات: وَتَحْرُمُ مِمَّنْ يَرِثُهُ غَيْرُ زَوْجٍ، أَوْ زَوْجَةٍ، بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلِوَارِثٍ بِشَيْءٍ، وَتَصِحُّ، وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. اهــ.
رابعا: سواء قلنا بتحريم الوصية بأكثر من الثلث، أو بكراهتها، فإنها لا تنفذ فيما زاد على الثلث إلا برضا الورثة، ولا يجبر أحد على القبول بإمضائها، كما مر معنا في النص السابق: وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ. اهــ.
فوصية تلك المرأة بكل مالها لابنة الأخ، ولابن الأخ ــ إن كان غير وارث ــ لا تمضي إلا في حدود الثلث، ما دام لتلك المرأة ورثة، وهم زوجها، وأخوها، وأخواتها، وما زاد على الثلث لا بد فيه من رضا الورثة، فمن رضي منهم بإمضائه أخذ الزائد على الثلث من نصيبه، ومن لم يرض منهم بإمضائها أخذ نصيبه الشرعي في الميراث كاملا.
خامسا: إذا كان أخوها، وأخواتها قد رضوا بإمضاء الوصية -كما ذكرت-، ولم يرض الزوج بإمضائها أخذ الموصى لهم ابتداء ثلث التركة، ويبقى ثلثاها، ثم أخذ الزوج نصف ما بقي، ما دام أنه ليس للمرأة المتوفاة فرع وارث، لقول الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ {النساء: 12}.
وما بقي أخذه الموصى لهم إذا رضي الأخ والأختان بإمضاء الوصية.
سادسا: عند الاختلاف والتنازع بين الورثة لا بد من رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية إن كانت، أو مشافهة جميع الأطراف لمن يصلح للقضاء من أهل العلم حتى يتسنى له سماع أقوالهم، ويبني على ذلك حكمه الشرعي، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي ـ رضي الله عنه: يا علي إذا جلس إليك الخصمان، فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء. رواه أحمد.
والله أعلم.