السؤال
وضع والدي مبلغا من المال في البنك لي، وأنا صغير بأمر من صاحب هذا المال، وهي خالته -رحمها الله- ويتضاعف هذا الرقم؛ لأحصل عليه، وأنا كبير السن.
بالتفاصيل كان هذا المبلغ في عام 2012 خمسة عشر ألف جنيه، على أن تفك هذه الشهادة عام 2022 بمبلغ خمسة وأربعين ألف جنيه، يعني شهادة عشر سنين، وأنا علمت بهذا الأمر، وأنا في سنة 2021 تقريبا أو 2020، المهم أني كان عندي معلومة بحرمة فوائد البنوك الربوية، فقررت أنه عندما تنتهي الشهادة أني أحصل على راس المال، وليس لي علاقة بالباقي، وأهلي يرون أن هذا خطأ، وأن المبلغ في عام 2012 كانت قيمته أكبر من الآن، وأني تأخرت فى الحصول عليه في أول العام، و حصلت عليه منذ شهر، وحدث ماحدث في الاقتصاد، وقيمة الجنيه، وأني في حاجة له، والكثير من هذا الكلام، ولكني الحمد لله، لا يهمني هذا الأمر، وأرى أن ما حدث في قيمة الجنيه هو ابتلاء من الله، والحمدلله على نعمه الكثيرة، وعلى كل شيء، وأثناء الجدال الكثير، قلت لهم: حد الله بيني وبين هذا المال؛ لأنه حرام، ولا أريده.
وقالوا لي: إني لست بعالم، وأنا هنا لأطلب منكم الفتوى، وما يهمني هو حرمة هذا المال فإن كان حراما، أو حوله شك، وريبة، فلا أريده إطلاقا، وإن كان حلالا ليس فيه كراهة، أو شك، والله يرضى به، ولا يحاسبني عليه يوم القيامة، ولا مانع؛ فأفتوني، وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على الحلال وحذرك من الحرام، والمؤمن مأمور بتحري الحلال الطيب، والبعد عن المحرم الخبيث، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً {المؤمنون: 51} وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم {البقرة: 172} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟.
وأما ما سألت عنه: فجوابه أن شهادة الاستثمار ذات العائد الثابت المضمون، من الربا المحرم، وعدم علمك بتلك الشهادة الربوية، ينتفي معه الإثم، ولكن كان يجب عليك إلغاء هذه الشهادة، إن كان ممكناً، ولا تنتظر انتهاء مدتها. وأما الأرباح التي حصلت عليها بعد علمك بحرمة شهادة الاستثمار هذه، فيجب عليك التخلص منها، وذلك بالتصدق بها على الفقراء، أو في مصالح المسلمين.
وأما ما مضى من الأرباح قبل علمك بهذه الشهادة الربوية؛ فالأحوط أن تتخلّص منه أيضا في وجوه الخير، وألا تنتفع بها مالم تكن فقيرا محتاجا إليها.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن من دخل في عقد ربوي جاهلًا بحرمته، له أن ينتفع بما كسبه منه، وهو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد جاء في الفروع: واختار شيخنا فيمن كسب مالًا محرمًا برضا الدافع ثم تاب - كثمن خمر، ومهر بغي، وحلوان كاهن - أن له ما سلف للآية - يعني قوله تعالى: "فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ" {البقرة:275} - ولم يقل الله: فمن أسلم ولا من تبين له التحريم. اهـ وانظر الفتوى: 330985 .
والله أعلم.