السؤال
كنت أقرأ قصة صالح ـ عليه السلام ـ مع قومه ثمود في إحدى صفحات الفيس بوك، وكنت أقرأ التعليقات، فوجدت تعليقًا لشخص يسأل من أين عرفنا اسم من عقر الناقة الذي هو قدار بن سالف؟ وكيف عرفنا اسم المرأتين؟ وحسب ما كتب الكاتب فإن واحدة ذات حسب ومال، واسمها: صدوف،وكانت متزوجة من شخص كان مؤمنًا برسالة صالح ـ عليه السلام ـ فتركته، وتزوجت ابن عمها، وعرضت عليه أن يتنعم بها، وبمالها، لكن بشرط أن يقتل ناقة صالح ـ عليه السلام ـ والأخرى كان اسمها: عنيزة، وكانت امرأة عجوزًا كافرة، ولها 4 بنات، وعرضت على قدار بن سالف أن يختار واحدة من بناتها ليتزوجها، بشرط أن يقتل الناقة، وسأل كيف عرفنا أن الناقة حامل في الشهر 10؟ وحسب ما كتب الكاتب فإن قوم ثمود طلبوا ناقة كبيرة طويلة، حاملًا في الشهر العاشر، وعندما قرأت تعليقه تساءلت أنا أيضًا، وشكرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على نص من نصوص الوحيين فيما ذكرت، ولكن هذه الأسماء ذكرها أهل العلم في كتبهم، وربما تكون مأخوذة من الروايات التاريخية، فقد ذكرها ابن هشام صاحب السيرة في كتابه: التيجان في ملوك حمير ـ وجاء في تفسير الطبري: ثم إن صدوف، وعنيزة محلتا في عقر الناقة، للشقاء الذي نزل، فدعت صدوف رجلًا من ثمود يقال له: الحباب ـ لعقر الناقة، وعرضت عليه نفسها بذلك إن هو فعل، فأبى عليها، فدعت ابن عم لها، يقال له: مصدع بن مهرج بن المحيا وجعلت له نفسها، على أن يعقر الناقة، وكانت من أحسن الناس، وكانت غنية كثيرة المال، فأجابها إلى ذلك، ودعت عنيزة بنت غنم، قدار بن سالف بن جندع، رجلًا من أهل قرح، وكان قدار رجلًا أحمر أزرق قصيرًا، يزعمون أنه كان لزانية، من رجل يقال له: صهياد، ولم يكن لأبيه سالف، الذي يدعى إليه، ولكنه قد ولد على فراش سالف، وكان يدعى له، وينسب إليه، فقالت: أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة... اهـ.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية بعدما أفاض في ذكر وتفسير الآيات الواردة في قصة ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام: وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يومًا في ناديهم، فجاءهم رسول الله صالح، فدعاهم إلى الله، وذكرهم، وحذرهم، ووعظهم، وأمرهم، فقالوا له: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة، وأشاروا إلى صخرة هناك ناقة من صفتها كيت وكيت، وذكروا أوصافًا سموها، ونعتوها، وتعنتوا فيها، وأن تكون عشراء طويلة، من صفتها كذا وكذا، فقال لهم النبي صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به، وتصدقوني فيما أرسلت به؟ قالوا: نعم، فأخذ عهودهم، ومواثيقهم على ذلك، ثم قام إلى مصلاه، فصلى لله عز وجل ما قدر له، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا، فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفظر عن ناقة عظيمة عشراء، على الوجه المطلوب الذي طلبوا، أو على الصفة التي نعتوا، فلما عاينوها كذلك، رأوا أمرًا عظيمًا، ومنظرًا هائلًا، وقدرة باهرة، ودليلًا قاطعًا، وبرهانًا ساطعًا، فآمن كثير منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم، وضلالهم، وعنادهم؛ ولهذا قال: فَظَلَمُوا بِهَا ـ أي: جحدوا بها، ولم يتبعوا الحق بسببها أي: أكثرهم، وكان رئيس الذين آمنوا: جندع بن عمرو بن محلاه بن لبيد بن جواس، وكان من رؤسائهم، وهم بقية الأشراف بالإسلام، قصدهم ذؤاب بن عمر بن لبيد، والخباب صاحبا أوثانهم، ورباب بن صمعر بن جلمس، ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة، وكان من أشرافهم، فهمَّ بالإسلام، فنهاه أولئك، فمال إليهم، فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له: مهرش بن غنمة بن الذميل، رحمه الله:
وكانت عصبة من آل عمرو * إلى دين النبي دعوا شهابا
عزيز ثمود كلهم جميعا * فهمَّ بأن يجيب ولو أجابا
لأصبح صالح فينا عزيزًا * وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا
ولكن الغواة من آل حجر * تولوا بعد رشدهم ذآبا.
ولهذا قال لهم صالح عليه السلام: هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً {هود: 64} أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف، وتعظيم، كقوله: بيت الله، وعبد الله: لَكُمْ آيَةً ـ أي: دليلًا على صدق ما جئتكم به: فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ـ فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم، ترعى حيث شاءت من أرضهم، وترد الماء يومًا بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم، ويقال: إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم؛ ولهذا قال: لها شرب، ولكم شرب يوم معلوم ـ ولهذا قال تعالى: إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ { القمر: 27} أي: اختبارا لهم أيؤمنون بها أم يكفرون؟ والله أعلم بما يفعلون: فَارْتَقِبْهُمْ ـ أي: انتظر ما يكون من أمرهم، واصطبر على أذاهم، فسيأتيك الخبر على جلية: وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ {القمر: 28} فلما طال عليهم الحال هذا، اجتمع ملؤهم، واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ليستريحوا منها، ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم، قال الله تعالى: فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ {الأعراف: 77} وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم: قدار بن سالف بن جندع، وكان أحمر أزرق أصهب، وكان يقال إنه ولد زانية، ولد على فراش سالف، وهو ابن رجل يقال له: صبيان، وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم؛ فلهذا نسب الفعل إلى جميعهم كلهم، وذكر ابن جرير، وغيره من علماء المفسرين: أن امرأتين من ثمود، اسم إحداهما: صدوف ابنة المحيا بن زهير بن المختار، وكانت ذات حسب ومال، وكانت تحت رجل من أسلم، ففارقته، فدعت ابن عم لها يقال له: مصرع بن مهرج بن المحيا، وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة، واسم الأخرى: عنيزة بنت غنيم بن مجلز، وتكنى أم عثمان، وكانت عجوزًا كافرة، لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو، أحد الرؤساء، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف إن هو عقر الناقة، فله أي بناتها شاء، فانتدب هذان الشابان لعقرها، وسعوا في قومهم بذلك، فاستجاب لهم سبعة آخرون، فصاروا تسعة، وهم المذكورون في قوله تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ {النمل: 48} وسعوا في بقية القبيلة، وحسنوا لهم عقرها، فأجابوهم إلى ذلك، وطاوعوهم في ذلك، فانطلقوا يرصدون الناقة، فلما صدرت من وردها كمن لها مصرع، فرماها بسهم، فانتظم عظم ساقها، وجاء النساء يزمرن القبيلة في قتلها، وحسرن عن وجوههن ترغيبًا لهم، فابتدرهم قدار بن سالف، فشد عليها بالسيف، فكشف عن عرقوبها، فخرت ساقطة إلى الأرض، ورغت رغاة واحدة عظيمة تحذر ولدها، ثم طعن في لبتها، فنحرها، وانطلق سقيها، وهو فصيلها، فصعد جبلًا منيعًا، ودعا ثلاثًا، وروى عبد الرزاق، عن معمر، عمن سمع الحسن أنه قال: يا رب، أين أمي؟ ثم دخل في صخرة، فغاب فيها، ويقال: بل اتبعوه، فعقروه أيضًا، قال الله تعالى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ {القمر: 29ـ 30} وقال تعالى: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ـ أي: احذروها: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا {الشمس: 14-15}. اهـ.
وهذا النوع من القصص التاريخية يذكره أهل العلم، ويتناقلونه للاتعاظ، والاعتبار به من دون أن يجزموا بصحته، فقد جاء في تفسير القاسمي عند الكلام على هذه القصة: نؤثر هنا ما رواه علماء التاريخ، والنسب في بسط قصة ثمود، لمكان العظة، والاعتبار مفصلًا، وإلا، فجلي أن ما أجمله التنزيل الكريم لا غاية وراءه في ذلك، وما سكت عن بيانه من تلك القصص، فلا حاجة إلى السعي وراءه؛ لفقد القطع به، اللهم إلا لزيادة الاتعاظ، وتقوية العبرة. اهـ.
والله أعلم.