السؤال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملك الأرض أربعة: مؤمنان، وكافران؛ فالمؤمنان: ذو القرنين، وسليمان، والكافران: نمرود، وبخت نصر، وسيملكها خامس من أهل بيتي"، فهل الإسكندر الأكبر هو ذو القرنين؟ مع العلم أننا ندرس في التاريخ أن الإسكندر الأكبر عندما جاء إلى طيبة، كان يعتقد أنه ابن الإله، وهذا ما أكّده له كهنة أمون، وبخت نصر، هذا شخص آخر، فمن يكون ذو القرنين؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأثر المذكور ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما من كلام مجاهد بن جبر، كما بيناه في الفتوى: 319828.
وأما ذو القرنين المذكور في القرآن، فليس هو الإسكندر المقدوني، قال ابن تيمية: وكان أرسطو قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة، وكان وزير الإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي تؤرّخ له اليهود والنصارى التأريخ الرومي، وكان قد ذهب إلى أرض الفرس، واستولى عليها. وطائفة من الناس تظن أنه كان وزير الإسكندر ذي القرنين المذكور في القرآن، وهذا جهل؛ فإن ذا القرنين كان مقدمًا على أرسطو بمدة عظيمة، وكان مسلمًا يعبد الله وحده، لم يكن مشركًا، بخلاف المقدوني. وذو القرنين بلغ أقصى المشرق والمغرب، وبنى سد يأجوج ومأجوج، كما ذكر الله في كتابه، والمقدوني لم يصل لا إلى هذا، ولا إلى هذا، ولا وصل إلى السد. اهـ. من الرد على المنطقيين.
ولم يرد في الكتاب والسنة بيان بأصل ذي القرنين، أو نسبه، أو تاريخه، أو ممن هو، ولو كانت في ذلك فائدة لنا لأخبرنا الله تعالى بها في محكم كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، كما ذكرنا في الفتوى: 179211.
لكن لا تخلو كتب السير والتواريخ من ذكر لبعض أخبار ذي القرنين، جاء في سبل الهدى والرشاد للصالحي:
اختلف في اسمه: فقيل: اسمه الصّعب. وبه جزم كعب الأحبار، ونقله ابن هشام في التيجان عن ابن عباس. وقال الشيخ تقي الدين المقريزي في الخطط: إنه التحقيق عند علماء الأخبار. وقيل: المنذر، وقيل غير ذلك.
ولقّب بذي القرنين قيل: لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها، وقرن الشمس من مطلعها. رواه الزبير بن بكار، عن الزّهري. وقيل: لأنه ملكهما. وقيل: لأنه رأى في منامه أنه أخذ بقرني الشمس، وقيل: لأنه كان له قرنان حقيقة. وهذا أنكره الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى-. وقيل: لأنه كان له ضفيرتان تواريهما ثيابه. وقيل: كانت الغديرتان طويلتين من شعره؛ حتى كان يطأ عليهما. وقيل: لأنه دخل النور والظّلمة. وقيل: لأنه عمّر حتى فني في زمانه قرنان من الناس. وقيل غير ذلك.
واختلف في نبوته: فقيل: كان نبيًّا. وبه جزم جماعة. وهو مرويّ عن عبد الله بن عمرو بن العاصي. قال الحافظ: وعليه ظاهر القرآن، وروى الحاكم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أدري ذو القرنين كان نبيًّا أو لا.
وذكر وهب في المبتدأ: إنه كان عبدًا صالحًا، وإن الله تعالى بعثه إلى أربعة أمم: اثنتين منها طول الأرض، واثنتين منها عرض الأرض، فذكر قصة طويلة، ذكرها الثعلبي في تفسيره. وروى الزبير بن بكّار، وسفيان بن عيينة في جامعه، والضياء المقدسي في صحيحه، كلاهما من طريق آخر بسند صحيح -كما قال الحافظ- عن أبي الطفيل، أن ابن الكوّاء قال لعلي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-: أخبرني عن ذي القرنين نبيًّا كان أم ملكًا؟ قال: لم يكن نبيًّا ولا ملكًا، ولكن كان عبدًا صالحًا أحبّ الله فأحبّه، ونصح لله فنصحه، بعثه إلى قومه فضربوه على قرنه ضربة مات فيها، ثم بعثه الله إليهم فضربوه، ثم بعثه، فسمّي ذا القرنين. قال الحافظ: وفيه إشكال؛ لأن قوله: لم يكن نبيًّا مغاير لقوله: بعثه الله إلى قومه، إلا أن يحمل البعث على غير رسالة النبوّة.
والأكثر: أنه كان من الملوك الصالحين. وذكره البخاري قبل ترجمة إبراهيم صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ: وفي ذلك إشارة إلى توهين قول من زعم أنه الإسكندر اليوناني؛ لأن الإسكندر كان قريبًا من زمن عيسى، وبين زمن إبراهيم وعيسى أكثر من ألفي سنة. وشبهة من قال: إن ذا القرنين هو الإسكندر: ما رواه ابن جرير -بإسناد فيه ابن لهيعة- أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فقال: كان من الروم، فأعطي ملكًا، فسار إلى مصر، وبنى الإسكندرية. إلى آخره. وهذا لو صحّ؛ لدفع النزاع، ولكنه ضعيف. هذا خلاصة كلام الحافظ في الفتح.
وقال الشيخ تقي الدين المقريزي في الخطط: اعلم أن التحقيق عند علماء الأخبار أن ذا القرنين الذي ذكره الله تعالى في القرآن اسمه الصّعب بن الحارث. وأنه ملك من ملوك حمير، وهم العرب العاربة، ويقال لهم أيضًا: العرب العرباء. وقد غلط من ظن أن الإسكندر هو ذو القرنين الذي بنى السّدّ؛ فإن لفظة: «ذو» عربية، وذو القرنين من ألقاب ملوك اليمن، وذاك رومي يوناني، وبسط الكلام على ذلك. اهـ. باختصار.
والله أعلم.