السؤال
لي صديق يعمل في الجمارك، له مبلغ من المال ـ حوالي 20 ألف دولار ـ كان قد أخذها من مواطنين يقومون بتمرير البضاعة من الحدود؛ تهربًا من دفع الضرائب، وقد اشترى صديقي بهذا المبلغ عقارًا، ثم بعد خمس سنوات باعه بحوالي: 35 ألف دولار ـ ويسأل: هل يجب عليه التخلص من هذا المال كله؟ وإن كان الجواب نعم، فهل يدفع إلى أصحابه، وهذا مستحيل؛ لأنه لا يعرف جلهم، وبعضهم في منطقته امتنعوا عن أخذه بحجة أنه ساعدهم، وأنه أحق منهم بهذا المال؟ وهل يدفع لمؤسسة خيرية مثلًا؟ وهل يمكن دفع قسط من هذا المال لأخيه لأنه يحتاج المساعدة، وعليه ديون؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكننا أن نجمل الجواب عن السؤال في النقاط التالية:
1ـ أن التهرب من الضرائب ينبني حكمه على حكم الضريبة ذاتها: هل هي مشروعة، فلا يجوز التهرب منها، أم غير مشروعة فيجوز التهرب منها حينئذ، وقد بينا المشروع منها والممنوع في الفتويين رقم: 16517، ورقم: 592.
2ـ إن قلنا إن الضرائب التي كان صديقك يعين التجار على التهرب منها من النوع غير المشروع، فما أخذه من التجار مقابل ذلك لا حق له فيه، وعليه رد ما أخذه إلى أصحابه، لكن من سامحه منهم، وأبرأه من حقه، فلا حرج عليه فيه، ومن لم يسامح في حقه يجب دفعه إليه، فإن جهل صاحبه فيتصدق به عنه للفقراء والمساكين.
3ـ على فرض كون الضرائب من النوع المشروع الذي لا يجوز التهرب منه، ولا التحايل عليه، فما فعله صديقك من إعانة المتحايلين عليها لا يجوز، وما أخذه مقابل ذلك رشوة، لا يجوز له الانتفاع به، ولا يرده إلى من أخذ منهم، بل يدفعه إلى خزينة الدولة التي فوت عليها ما فرضته على أولئك التجار، فإن لم يستطع رده لخزينة الدولة بطرق مباشرة، أو غير مباشرة، فليصرفه في المصالح العامة، أو يدفعه للفقراء والمساكين.
4ـ في الحالة التي ذكرنا أن المال يدفع فيها إلى الفقراء والمساكين لا حرج أن يعطي أخاه إن كان فقيرًا محتاجًا، قال النووي في المجموع: وإذا دفعه ـ المال الحرام ـ إلى الفقير لا يكون حرامًا على الفقير، بل يكون حلالًا طيبًا، وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إن كان فقيرًا؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ قدر حاجته، لأنه أيضًا فقير. انتهى كلامه.
5ـ المال الذي يلزم التخلص منه هو أصل المال - 20 ألفًا ـ بحسب ما بيناه سابقًا من تفصيل في ذلك؛ لأنه بتفويته للمبلغ في شراء المنزل تعلق بذمته، وكان المنزل له، وما باعه به ملك له، قال في التاج والإكليل: فإن الحرام إذا تعلق بالذمة صار ما بيد صاحبه مالًا من ماله... وقد قال في المدونة: من أودعته دنانير فاشترى بها سلعة، فليس لك في السلعة شيء إنما تتبعه بدنانيرك.
والله أعلم.