السؤال
هل إذا أعلمت أحدا عن مسلسل، واستمر في مشاهدته إلى أن تحول ذنبه من الصغائر، ومع الاستمرار فيه تحول إلى كبيرة، آخذ نفس إثمه إذا صار كبيرة؟.
هل إذا أعلمت أحدا عن مسلسل، واستمر في مشاهدته إلى أن تحول ذنبه من الصغائر، ومع الاستمرار فيه تحول إلى كبيرة، آخذ نفس إثمه إذا صار كبيرة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنعم، تأخذين نفس إثمه دون أن ينقص من إثمه شيء، سواء صغرت المعصية أم كبرت، لأن الدال على المعصية عليه من الوزر مثل وزر فاعلها بإطلاق دون تفصيل بين كون الذنب صغيرة أو كبيرة؛ لأنه المتسبب، ولولاه لما قارفه المدعو، خاصة وأن كبر الذنب نشأ من خلال نفس الفعل وتكراره في حالة السؤال، وهذا الإطلاق في المماثلة مستفاد من ظواهر أدلة اشتراك الدال على المعصية والفاعل في الوزر، فقد قال الله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ {النحل:25}.
قال مجاهد: حمّلهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم شيئا.
وقال النّبيّ صَلَى اللّه عليه وسَلّم: وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْء. رواه مسلم.
قال الإمام النووي: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْهُدَى وَالضَّلَالَةُ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَهُ أَمْ كَانَ مَسْبُوقًا إِلَيْهِ .
مع ملاحظة ما يلي: أن الأفلام والمسلسلات الماجنة نفس مشاهدتها قد يكون كبيرة حتى بدون تكرار واستمرار، كما قررناه في الفتوى رقم: 27224.
وذلك أن الحلقة الواحدة من المسلسل قد يتكرر فيها نظر الشهوة والإثارة مع خوف الفتنة عشرات المرات! فكيف إذا اجتمع إلى ذلك سماع الشهوة للغناء المحرم! وكيف إذا علمنا حسن ودقة تصميمها وإعدادها لتحرك الغرائز وتدمر القيم والفضيلة وتشيع الفاحشة في المؤمنين! وكيف إذا اقترن ذلك بالاستخفاف والاستخفاء من نظر الله والخوف من الافتضاح من الخلق! وهذه حلقات مسلسل تشد إحداها إلى الأخرى فقل من يسلم معها من الإصرار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:.. ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وأن دلالتك على هذه المشاهد المحرمة معدود من الكبائر عند أهل العلم، فقد قال الإمام الهيتمي في الزواجر: الكبيرة الخمسون من سن سنة سيئة.
ولأنه إذا كان ترك التناهي عن المنكر لعن بسببه بنو إسرائيل، فكيف بالدعوة إليه؟ هذا والغالب في الدال على المسلسل - المعصية - أنه قد سبق له أن شاهد المسلسل فتكون دلالته هتكا لستر الله له، فيكون من المجاهرين من حيث لايدري، ولأن الدلالة على المعصية استخفاف بها وهو من أسباب تحولها كبيرة عند أهل العلم، فقد قال الغزالي: وقد تعظم الصغائر من الذنوب، فتصير كبيرة لعدة أسباب، منها: الإصرار والمواظبة، ومنها: أن يستصغر الذنب.
ولأن دعوة غيرك إلى مسلسل يشتمل على شيء من الفحش والمجون معول هدم للقيم ونشر للرذيلة، فأخشى أن يشملك قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النور:19}
وحد الإصرار الذي يجعل الصغيرة كبيرة ما قاله الإمام العز بن عبد السلام: إذا تكررت منه الصغيرة تكراراً يشعر بقلة مبالاته بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك.
وقد رجحنا في الفتوى رقم: 127740، أن الصغيرة تصبح بالإصرار عليها كبيرة.
وسبيلك للتخلص من كل تلك الأوزار والسيئات التي علقت بك سواء منك أو من المدعو التوبة النصوح والإنكار بالمعروف على من دعوته لهذا المنكر، فإن ذلك يرفع عنك الوزر وتبعاته من غيرك بشروط التوبة المقررة، كما قررناه لك في الفتويين رقم: 124586، ورقم: 70789.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني