السؤال
أنا شاب عمري 30 سنة، متزوج من 4 سنوات، ولي طفل عمره 3 سنوات، وزوجتي حامل.
حصل خلاف قبل عامين بسبب تدخل أهلها في شؤون بيتي، وتم الحل، إلا أنني عاودتني الشكوك في سيطرة أمها عليها، فسجلت مكالماتها التي تستمر بالساعات، واكتشفت المصيبة، أمها تدعو علي بالموت، والحرق، وبنتها تتبعها بآمين.
لم أقصر معها نهائيا، ولا مع أهلها، حتى أهلها عندما يزوروننا يقولون نحن في الجنة.
الزوجة وأهلها يظهرون لي المحبة والاحترام، لكن المكالمات كلها سب ولعن لي ولأختي، وأمي مع أنهم في بلد آخر.
أرسلتها لأهلها لأرى كيف أتصرف وأنا الآن في حيرة كاملة. كيف أتعامل مع أناس منافقين يظهرون شيئا وفي عقولهم شيء آخر؟
والأهم أنها تسب أمي، أمي التي ليس لها علاقه معها من قريب أو بعيد، وأمها تدعو على أمي أن ترى العذاب، والأم في صحتها.
أفتوني رحمكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في المسلمين السلامة، وقد نهى الله عز وجل عن إساءة الظن بهم والتجسس عليهم، وتتبع زلاتهم وعثراتهم، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا{الحجرات:12}.
قال ابن حجر الهيتمي: ففي الآية النهي الأكيد عن البحث عن أمور الناس المستورة وتتبع عوراتهم.
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولا تجسسوا، ولا تحسسوا.
ويتأكد المنع من هذا في حق الزوجة. فإقدامك على التجسس لمجرد شك وقع في قلبك أمر لا يجوز، إلا أن تظهر أمارات تستدعي الريبة فيجوز التجسس حينئذ، وراجع الفتاوى أرقام: 15454- 60127- 30115.
ولو أنك اتقيت الله ولم تقدم على التجسس لمجرد الشك، فربما كنت في مأمن من هذا الغم الذي أدخلته على نفسك، ويكون التعامل معهم على ما يظهر من حالهم والله يتولى السرائر، ولا بأس بالحذر منهم إذا رأيت ما يريب، واستحضر هنا قول عمر رضي الله عنه: لست بالخب ولا الخب يخدعني.
وإن ثبت ما ذكرت من أن أم زوجتك كانت تدعو عليك بالموت، والحرق، وابنتها تتبعها بآمين، فقد أساءتا بذلك أبلغ إساءة، ولكن قد تكون زوجتك تؤمن على دعاء أمها مجاراة ومجاملة لها، وهذا وإن كان لا يعتبر عذرا شرعا يعفيها من تبعة ذلك، إلا أن مقصودنا أنها قد لا تكون قاصدة بذلك الإساءة إليك. فنوصيك بأن تمسكها عليك، وأن تحسن عشرتها وتعليمها أمور دينها، ومن ذلك ما لك عليها من حق، وأن حقك عليها كزوج أعظم من حق أبويها عليها، واحرص على أن تكون قدوة لها في الخير مع الدعاء لها بخير، فسترى منها خيرا بإذن الله تعالى.
ونوصيك أيضا بالصبر على أصهارك - وأم زوجتك خاصة - إن بدا منهم شيء من الأذى، وإن صدرت منهم إساءة فقابلها بالإحسان فذلك أدعى لأن يكون سببا في تغير الحال، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي: قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك. اهـ.
والله أعلم.