الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يصرف عنك هذه الأفكار الشيطانية ويكفيك شر النفس والهوى وأكثري من الدعاء، فقد قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ.{الأعراف: 200}.
وفي حديث مسلم في خطبة الحاجة: ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وقد سأله أبو بكر فقال يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك. رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
ثم إن السائلة لم توضح لنا ماهية الأفكار وأسباب الاغتسال وهل الوسوسة في الأمور الاعتقادية، أو الجنسية؟ ولكننا ننبه إلى أنه إن كان الأمر متعلقا بالوسوسة في الأمور الاعتقادية، فإن مجرد الوسوسة النفسية التي لم يحصل معها عمل ولا كلام لا يؤاخذ بها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم. رواه البخاري ومسلم.
وقال النووي في الأذكار: الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به، أو تعمل ـ قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر، قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة، أو كفراً، أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه. انتهى.
وكره العبد وخوفه ونفوره من الوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به، فضلاً عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً وانتفت عنه الريبة والشكوك. انتهى.
وقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة، هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها، فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته، واعلم أن من حرمه فقد حرم الخير كله، لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ـ وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني وأن إبليس هو الذي أورده عليه وأنه يقاتله فيكون له ثواب المجاهد، لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فر عنه. انتهى.
وان كان الأمر متعلقا بالتفكير في الزواج والأمور الجنسية فمجرد التفكير والتخيل الذي لم يصحبه عمل باليد أو غيرها ليس من العادة السرية المحرمة ولا يأخذ حكمها، فقد تجاوز الله لهذه الأمة عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم، أو تفعل، كما في الحديث المتفق عليه، ولكن الاستمرار في الفكر في ذلك قد يؤدي إلى مالا يجوز من فعل العادة السرية وغيرها مما هو محرم شرعاً، وقد سبق بيان تحريمها وكيفية التخلص منها في الفتويين رقم:5524، ورقم :7170.
وأشغلي أوقاتك بالطاعة لكيلا تشغلك نفسك بالمعصية واحرصي على الإكثار من الصيام إن استطعت، فإنه يكسر الشهوة، كما في الحديث: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
أي: وقاية. وابتعدي عن الخلوة والزمي غض البصر وقراءة القرآن ومجالسة الصالحات من النساء من يدللنك على الطاعة، ويرغبنك في الخير، وسيجعل الله لك من همك فرجا، ومن ضيقك مخرجا.
وأما ما ذكرت من الحلم: فإن كنت تحلمين في النوم ببعض الأمور المتعلقة بما يكون بين الزوجين، فإن الاغتسال لا يجب إلا إذا خرج المني، لما رواه البخاري عن أم سليم أنها قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء، فضحكت أم سلمة، فقالت: تحتلم المرأة !فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبم يشبه الولد.
وأما إذا لم تجدي أثراً للمني لا رطباً ولا يابساً: فلا يلزم الغسل، ولو حصل الاحتلام، ومني المرأة أصفر غالبا وقد يكون أبيض، وميزته التلذذ والفتور عقبه إذا خرج في اليقظة، ورائحته كرائحة طلع النخل، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فأيهما سبق أشبهه الولد.
رواه مسلم.
وقال النووي في شرح مسلم: وأما مني المرأة فهو أصفر رقيق وقد يبيض لفضل قوتها، وله خاصيتان يعرف بهما، إحداهما: رائحته كرائحة مني الرجل، والثانية: التلذذ بخروجه وفتور شهوتها عقب خروجه. انتهى.
وبهذا تعلمين أن السوائل البيضاء قد تكون منيا إذا وجد فيها شيء من تلك الأوصاف.
وليعلم أن الاحتلام لا إثم فيه، و لا يؤاخذ عليه الشخص، لأنه شيء خارج عن إرادته واختياره، ولذلك لا يؤثر على الصوم ولا على الحج، بل قد يكون رحمة من الله بالشخص لتخف حدة شهوته فلا يقارف الحرام ولا يتطلع إليه، هذا وننصحك بدعاء الله أن يرزقك زوجاً مرضياً وبالمحافظة على الحجاب الشرعي والعفة والبعد عن الاختلاط وغض البصر، لقول الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ.
{ النور: 33 }.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: ومن يستعفف يعفه الله. رواه البخاري من حديث حكيم بن حزام ـ رضي الله عنه.
وننصحك بالتعرف على النساء الصالحات والاستعانة بهن في البحث عن الزوج المناسب.
والله أعلم.