السؤال
أود ان أقدم لكم خالص الشكر والامتنان على هذا الجهد زاداكم الله الكثير من فضله، ثم أبدأ بالاستفسار عن تراكم زكاة التجارة حيث إنني مستثمر للعقارات، ودائما يحول الحول ويكون يوم قضاء الزكاة، ولا يوجد معي سيولة كافية لقضاء زكاة التجارة، وغالب الأوقات أكون في انتظار من يشتري مني حتى أكمل بناء بقية العقار أو لسداد ما تبقى عليه من ثمن ما اشتريته سابقا من مواد البناء. والسؤال هنا هل يجوز لي التأخر في قضاء الزكاة عن ميعاد السداد؟ علما بأنني لا أعلم إلى متى أتأخر، وإذا كانت لي رخصة في ذلك لحين وجود السيولة اللازمة للقضاء فهل أسدد القيمة فقط أم يضاف عليها نسبة للتأخر؟ وهل يجوز أن أحسب الزكاة عند تمام الحول وإخراجها على أقساط كلما تيسرت النقود؟ وماذا لو أنني تعثرت في قضاء هذه الدفعات وتبقى مبلغ للحول الذي يليه؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل هو وجوب الزكاة على الفور، فمن وجبت عليه الزكاة وجب عليه المبادرة بإخراجها في قول الجمهور خلافا لأبي حنيفة رحمه الله، واستثنى العلماء بعض الحالات التي يجوز فيها التأخير، ومن ذلك ما لو تعذر إخراج الزكاة لغيبة المال أو نحو ذلك، وكما لو خاف الضرر على نفسه أو مال له آخر بإخراجها، فحينئذ لا حرج على المكلف في تأخير الزكاة حتى يتيسر له إخراجها وليس عليه إثم في التأخير، وذلك لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}
وهذه بعض أقوال العلماء الدالة على ما ذكرنا، قال النووي في شرح المهذب: الزكاة عندنا يجب إخراجها علي الفور فإذا وجبت وتمكن من إخراجها لم يجز تأخيرها وإن لم يتمكن فله التأخير إلي التمكن فإن أخر بعد التمكن عصى وصار ضامنا. انتهى.
وقال في المغني: فأما إذا كانت عليه مضرة في تعجيل الإخراج مثل من يحول حوله قبل مجيء الساعي ويخشى إن أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرة أخرى فله تأخيرها نص عليه أحمد وكذلك إن خشي في إخراجها ضررا في نفسه أو مال له سواها فله تأخيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : [ لا ضرر ولا ضرار ] ولأنه إذا جاز تأخير دين الآدمي لذلك فتأخير الزكاة أولى. انتهى
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: لا يجوز تأخير إخراج الزكاة بعد تمام الحول إلا لعذر شرعي، كعدم وجود الفقراء حين تمام الحول، وعدم القدرة على إيصالها إليهم، ولغيبة المال ونحو ذلك. انتهى
وقال الشيخ العثيمين في الشرح الممتع: ويجوز التأخير كذلك، إذا تعذر الإخراج لقوله: «مع إمكانه» ، كما سبق.
فصار التأخير يجوز في الحالات الآتية:
1 ـ عند تعذر الإخراج.
2 ـ عند حصول الضرر عليه بالإخراج.
3 ـ عند وجود حاجة، أو مصلحة في التأخير. انتهى.
وبما تقدم تعلم أنه لا حرج عليك في تأخير الزكاة إذا حال الحول وليس عندك ما تخرج به الزكاة، وبالنسبة لعروض التجارة وهي المال الزكوي محل السؤال فإذا لم يجد السائل سيولة وأمكنه أن يخرج الزكاة في وقتها من العروض فليفعل، فإن كثيرا من العلماء يجوز إخراج الزكاة في عروض التجارة من العروض وهو قول الشافعي واختيار شيخ الإسلام رحمه الله، جاء في الاختيارات العلمية: يجوز إخراج زكاة العروض عرضا. انتهى.
فإن لم يتمكن من هذا، فإذا توفرت السيولة اللازمة لإخراج الزكاة أو بعضها فعليك أن تبادر بإخراجها فإنها واجبة على الفور، وليس عليك سوى إخراج ما وجب عليك إخراجه ولا يلزمك إخراج شيء زائد عليه، ولا يجوز لك تأخير الزكاة بعد وجوبها مع القدرة على إخراجها لتخرجها على أقساط، وإنما يجوز تعجيل إخراجها قبل الوجوب على أقساط. وانظر الفتوى رقم: 43805، والفتوى رقم: 129404.
فعليك كلما توفر معك من المال ما يكفي لإخراج بعض الزكاة أن تخرجه حتى يتوفر لك ما تخرج به باقيها، فإن تأخر شيء إلى الحول التالي دون تفريط منك بل لعجزك عن إخراجه في أثناء الحول فلا حرج عليك، واعلم أن مذهب جمهور العلماء أنك تخصم ما عليك من الدين ثم تزكي ما بقي من مالك، وفي المسألة خلاف راجع لمعرفته الفتوى رقم: 124533وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.