السؤال
أعاني من الحسد ـ بشكل كبير ـ من صديق مقرب مني لدرجة أنه يحسدني بشكل صريح وفي وجهي ولن تصدقني إذا قلت لك إنني دخلت المستشفي بفعل حادث من وراء عينه، فأنا أعلم أن هذا قدر من الله الجليل، ولكن ماذا أفعل؟ لا يريدني أن أكون متميزا عنه في أي شيء وهو معي ولا أستطيع إخفاء الأمورعنه, وأحاول تحصين نفسي بالآيات القرآنية المعروفة والأحاديث وأنا لا أتخيل ـ بكل ما تعنيه الكلمة ـ وإنما هذا واقع أريد له حلا فساعدني.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جعل الله تعالى ـ بقدرته وحكمته ـ للعين والحسد أثرا في حصول الضرر، كما قال صلى الله عليه وسلم: الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ.
رواه مسلم.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ـ في حق أبناء جعفر بن أبي طالب: مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً؟ أي نحيفة ـ تُصِيبُهُمْ الْحَاجَةُ ـ يعني المرض؟ قَالَتْ: لَا وَلَكِنْ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ، قَالَ: ارْقِيهِمْ.
رواه مسلم.
وقال ـ أيضا ـ صلى الله عليه وسلم: اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ.
رواه ابن ماجه، وصححه الألباني. فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن العين حق، ودلنا ـ في الوقت نفسه ـ على السبب الواقي منها، وهو اللجوء إلى الله بالاستعاذة والرقية الشرعية. وكما لا ينبغي أن نتهاون في أمر العين أو الحسد كسبب لحصول الضرر، فكذلك لا ينبغي الإغراق في الخوف منه مع حصول الأسباب الواقية من ضرره ـ بفضل الله ورحمته ـ كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 112069.
وأما ما طلبه السائل الكريم من الحل لهذه البلية: فهو يعتمد على حسن التوكل على الله، وصدق اللجوء إليه والاستعانة به، فإن من توكل على الله كفاه، ومن استعان به أعانه وهداه، ومن لجأ إليه لم يخيب رجاه. ثم يعتمد ـ بعد ذلك ـ على كثرة الدعاء والذكر وتلاوة القرآن وخاصة المعوذات، واستعمال الرقية الشرعية، كما سبق تفصيله وبيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 107273، 130854، 114107، 7151، 3273، 48991، وفيها تجد علامات وأعراض المحسود والمصاب بالعين وسبل التعامل مع الأقارب الحاسدين، ولكن الذي نريد بيانه هنا: أن السائل إذا لم ير أثرا في تحصين نفسه مع استعمال الآيات والأحاديث ـ كما جاء في السؤال ـ فإن هذا غالبا ما يكون بسبب تقصيره هو في تحقيق ما سبقت الإشارة إليه، ثم إن الرقية والتعويذات إنما هي نوع مخصوص من أنواع الدعاء، وقد قال ابن القيم في الجواب الكافي: إن الأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير، فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثمة مانع من الإجابة لم يحصل الأثر.هـ.
فلو رجع السائل الكريم إلى نفسه فلربما عرف أنه متلبس بمانع من موانع الإجابة من جهة نفسه، ومن ذلك الشك في الإجابة والدعاء على سبيل التجربة، ومنه استيلاء الغفلة واللهو على القلب والجوارح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ.
رواه الترمذي وأحمد، وحسنه الألباني.
قال المناوي: أي لا يعبأ بسؤال سائل مشغوف القلب بما أهمه من دنياه. قال الإمام الرازي: أجمعوا على أنّ الدعاء مع غفلة القلب لا أثر له.هـ.
وقد يكون كل ما يظنه من آثار العين غير صحيح، وإنما هو وهم أو لأسباب أخرى غير العين ـ وعلى كل حال ـ فليبدأ السائل ـ أول ما يبدأ ـ بالتوبة إلى الله، والاستقامة على طاعته، والتمسك بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يحقق ما سبق بيانه ويوشك عندئذ أن يكفيه الله ما أهمه ويقيه شر حاسده وغيره.
والله أعلم.