السؤال
قام شخص بشراء ذهب من أحد المحلات وذلك لتجهيز إحدى بناته للزواج، وكان الشخص المشترى قد دفع لصاحب المحل كل المبلغ المطلوب سداده وهو 6680 جنيها مصريا ًما عدا مبلغ صغير وقدره 680 جنيها ً مصريا ً, إلا أن صاحب محل الذهب اشترط عليه شرطا وهو أخذ المال الذى معه وإعطاؤه الذهب المتفق على شرائه وإحضار بقية المال خلال عدة أيام عندها سيحاسبه بسعر الذهب اليومى المعلن فى المصادر الرسمية فى ذلك اليوم لكل الذهب الذى تم شراؤه مقابل إعطاءه بقية المال (وهو اعتراف ضمنى فى حالة الزيادة فقط حسب فهمها) إلا أن صاحب المال المشترى للذهب تراخى فى السداد لفترة ثم أعطاه مبالغ مالية متقطعة على فترات زمنية, ثم لما ذهب صاحب المال لتسديد بقية المال الذى عليه بعد فترة من الزمن تقترب من العام وجد صاحب محل الذهب يبلغه بأن عليه مبلغ وقدره1380جنيها ًمصريا ً, فرفض السداد وقال سأعرض الأمر على أهل العلم. فما رأي الدين فى هذه الحادثة وكيف يعد البيع وكيف يعد هذا المال الزائد فى هذه الحالة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا البيع فاسد من أصله، فإن بيع الذهب بالأوراق النقدية يشترط له تقابض البدلين في مجلس العقد دون تأخير شيء من الثمن أو المثمن، فإذا أجل أحدهما فقد فسد العقد.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد.
فلا يجوز الأجل في بيع الذهب بالنقود الورقية التي هي في الواقع بمثابة الذهب والفضة؛ لأنها ثمن لكل مثمن وقيمة لكل مقوم، وراجع تفصيل ذلك في الفتويين: 13223، 3079.
وجاء في الموسوعة الفقهية: من شروط صحة الصرف تقابض الثمنين في مجلس العقد، أي قبل افتراق المتعاقدين بأبدانهما، فلو اشترط الأجل فيه فسد؛ لأن الأجل يمنع القبض، وإذا لم يتحقق القبض لم يتحقق شرط صحته، وهذا ما صرح به الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. انتهى.
والبيع الفاسد لا يحصل به ملك ولا يترتب عليه أثر.
جاء في الموسوعة: إذا وقع البيع الباطل وحدث فيه تسليم شيء من أحد الطرفين وجب رده؛ لأن البيع الباطل لا يفيد الملك بالقبض، ويجب على كل من الطرفين رد ما أخذه إن كان باقيا، وهذا باتفاق، يقول ابن رشد: اتفق العلماء على أن البيوع الفاسدة إذا وقعت ولم تفت، حكمها الرد، أي أن يرد البائع الثمن، ويرد المشتري المثمون. انتهى. وراجع في ذلك الفتويين: 118398، 104631.
ولكن هل يفسد العقد كله أم يفسد بقدر المؤجل من الثمن فقط؟ والراجح -وهو قول الجمهور- أنه يفسد في ما لم يقبض فقط.
جاء في الموسوعة: إذا حصل التقابض في بعض الثمن دون بعضه وافترقا بطل الصرف فيما لم يقبض باتفاق الفقهاء، واختلفوا فيما حصل فيه التقابض، ولهم فيه اتجاهان: الأول: صحة العقد فيما قبض وبطلانه فيما لم يقبض.. وهذا رأي جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية، وهو قول عند المالكية ووجه عند الحنابلة. الثاني: بطلان العقد في الكل، وهو قول عند المالكية ووجه آخر عند الحنابلة. انتهى.
وعلى الراجح فالعقد صحيح في القدر المعجل من الثمن (6000) وفاسد في الباقي (680) وهذا ما يعرف عند الفقهاء بتفرق الصفقة، وعلى ذلك فليزم المشتري أن يرد من الذهب بنسبة القدر الفاسد، فلو كان مجموع الذهب الذي اشتراه مائة جرام مثلا، فقدر الفاسد من هذه البيعة هو حاصل ضرب (100 * 680) مقسوما على (6680)، ولا يلزم أن يكون الرد من عين الذهب الذي اشتراه في مثل هذه الحالة، لأنه قد فات بتملك ابنة المشتري له، فقد ذكر السائل الكريم أن هذا الذهب لتجهيز إحدى بناته، وقد اختلف أهل العلم في ذلك، كما جاء في (الموسوعة): إذا تصرف فيه المشتري ببيع أو هبة فقد اختلفوا في ذلك. فعند الشافعية والحنابلة: لا ينفذ تصرف المشتري بذلك، ويكون من حق البائع استرداد المبيع، ومن حق المشتري استرداد الثمن. أما المالكية: فإنه يجب عندهم رد المبيع الفاسد لربه إن لم يفت، كأن لم يخرج عن يده ببيع أو بنيان أو غرس، فإن فات بيد المشتري مضى المختلف فيه -ولو خارج المذهب المالكي- بالثمن الذي وقع به البيع، وإن لم يكن مختلفا فيه بل متفقا على فساده، ضمن المشتري قيمته إن كان مقوما حين القبض، وضمن مثل المثلي إذا بيع كيلا أو وزنا وعلم كيله أو وزنه ولم يتعذر وجوده، وإلا ضمن قيمته يوم القضاء عليه بالرد. انتهى.
وإذا اتفق البائع والمشتري يوم الأداء على أن يرد المشتري قيمة الذهب جاز، لأن الصرف على ما في الذمة بعد الحلول كالصرف على ما في اليد، وعندئذ فالمعتبر قيمته يوم الأداء لا يوم الشراء، وراجع في ذلك الفتويين : 49094، 70313.
والله أعلم.