الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رغبة الشاب في الزواج بامرأة أكبر منه مع رفضها لذلك.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..

قبل كل شيء أشكركم على هذه الخدمات الجليلة التي تقدمونها لفائدة الناس، أما بعد:

أطرح مشكلتي التي أعاني منها منذ أكثر من 10 أشهر، أنا مغرمٌ بفتاة تكبرني بـ 8 سنوات، عمري 29 وعمرها 36، وأنا مستعد للزواج منها، ومتحمل أعباء الزواج بكل جدية وعمل، وأنا أحبها بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لكن المشكلة أنها: لم تتقبل هذا الفارق في العمر، وترى أنه عيب، فحاولت إقناعها بكل الوسائل المتاحة لي، بحيث قلت لها: إن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة رضي الله عنها وهي تكبره بكثير، وأنه قدوة لنا فلا حرج في ذلك ما دامت الشروط متوفرة في الدين والخلق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فأرجو أن تنصحوني بكل ما لديكم من نصح ووسائل لمعالجة هذه المشكلة التي أصبحت ثقيلة علي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أمين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا دائماً، ونشكرك على حسن ظنك بنا، ونسأله جل جلاله أن يجعلنا دائماً عند حسن ظنكم، وأن يعيننا على خدمة جميع المسلمين، كما نسأله أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يمن عليك بتحقيق أمنيتك وقضاء حاجتك، وأن يجمعك بمن تحت مظلة الكتاب والسنة، إنه جوادٌ كريم.

أخي المبارك أمين: مما لا يخفى عليك أن من أركان الإيمان الستة الإيمان بالقدر خيره وشره، وكما ورد في السنة أن الله قدر المقادير قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ومن هذه المقادير أمر الزواج، فهو رزق يتحقق بقدر الله وحده، فإذا كان للعبد من نصيب في شيء فلابد من تحقيقه مهما كانت العقبات؛ لأنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراد الله، فما علينا جميعاً إلا أن نسعى ونأخذ بالأسباب، ونكثر من الدعاء، فإن تحقق لنا ما نريد فهذا ما قدره الله جل جلاله في الأزل، وإن لم يتحقق ما نريد فلنعلم أن هذه هي إرادة الله، وفي هذه الحالة لا يكون أمامنا إلا الرضا والتسليم لإرادة الله، وهذا معنى الإيمان بالقدر خيره وشره، وهذا الكلام أخي أمين قاعدة عامة ينبغي عليك تطبيقها في جميع أمورك؛ حتى لا تحرم رضى الله، ولتستريح نفسياً.

وبخصوص موضوعك: فأرى فعلاً أن فارق السن ليس كبيراً جداً كما تظن الأخت، وإن كانت العادة جرت أن الرجل يكون أكبر سناً من المرأة، وقليل من الناس من يتصور العكس، رغم أنه ليس هناك ما يمنع من وقوعه ما دام الفارق ليس كبيراً، والطرفان مستوفيان الشروط الشرعية من حيث الخلق والديانة والكفاءة العائلية، فلا أرى مانعاً من الزواج، وأرى أن الأخت في حاجة إلى أن تراجع نفسها؛ لأن الفارق ليس كبيراً كما ذكرت، وأرى أن تحاول معها مرات ومرات ما دامت ملتزمة بالخلق والدين وأصلها طيب، وترى أنها تصلح أن تكون أمُاً لأولادك، فحاول وكرر المحاولة، وأكثر من الدعاء أن يشرح الله صدرها لذلك، وأرى أن تستعين بعد الله ببعض الأقارب أو المعارف من الصالحين لإقناعها لعلها ترجع عن رأيها.

كما أوصيك بالدعاء والإلحاح عل الله أن يشرح صدرها لذلك؛ لأنه ليس شيء أكرم على الله من الدعاء، وأنه ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وعليك كذلك بكثرة الاستغفار؛ لأن من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيقٍ فرجا، ومن كل همٍ مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، كما أوصيك بكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بنية تيسير هذا الأمر وشرح صدر هذه الأخت.

فإن فعلت ذلك كله مع الأخذ بالأسباب الممكنة، ولم يتيسر هذا الأمر، فاعلم أن هذا هو قدر الله، وأنه ليس لك نصيب فيها، وأن نصيبك في فتاة أخرى قدرها الله لك، ولا تيئس ولا تجزع؛ لأن الحق تبارك وتعالى أخبرنا قائلاً: ((فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء:19]، وقال أيضاً سبحانه: ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ))[البقرة:216]، فخذ بالأسباب، وأكثر من الدعاء، واترك النتائج لله جل جلاله وحده، وافعل ما يمكنك فعله من الوسائل المباحة والمشروعة، واستعن بدعاء والدتك أو الصالحين من أهلك، ونحن بدورنا نشاركك الدعاء ونضرع إلى العلي الأعلى جل جلاله أن يوفقك للذي هو خير، وأن يشرح صدر هذه الأخت لقبولك إذا كان في ذلك فلاحك وسعادتك في الدنيا والآخرة.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً