الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد قطع العلاقة أصبحت تنتابني أفكار سلبية.

السؤال

السلام عليكم..

تعرفت على فتيات كثيرات في الشات، ومن كل الفتيات هناك 3 فتيات قلن لي أحبك، ولكن - بحمد الله - انقطعت علاقتي بهن ولم أتألم، ولكن من فترة تقل عن السنة، تعرفت على فتاة من بلدٍ غير بلدي، وأنا أصلاً أعيش في بلد غير بلدي، ومرت الأيام وأنا أتعلق بها وهي تتعلق بي أكثر وأكثر، ولكن قلت لها أنا أخاف من أن يأتي يوم ونحب بعضنا؛ لأني أعلم أننا لن نستطيع الزواج، ووافقتني، ولكن أكملنا أشهراً أخر.

وقبل أسبوع تأكدت أن الشات مع الفتيات حرام، وفاتتني الشجاعة لأقول لها يجب علينا الافتراق؛ لأن هذا حرام، وإذا بقينا مع بعضنا أكثر سوف نتعلق ببعضنا، ويمكن يصبح حباً، وأنا 90 % أعلم أننا لن نستطيع الزواج و90% لن نسعد ونرتاح بالزواج، لأننا من بلدين مختلفين، وجنسيتي فيها مشاكل كثيرة، وأنا بصراحة لا أعلم هل أحبها أم لا؟ ولكني أرتاح لها، وأسعد عندما أكلمها، وتفرقنا منذ أقل من أسبوع، ولكن أنا أفكر كثيراً وحساس جداً، فأظل أفكر ما شعورها الآن؟ هل هي حزينة؟ ومن هذه الأفكار الغريبة التي لا أعلم من أين تأتي.

والمشكلة الثانية التي حصلت عند فراقها: أن هناك الكثير من الأشياء التي تذكرني بها، وعند رؤية شيء دون أن أعلم تأتي فكرة ببالي وتربط هذا الشيء بها، وأنا جداً خائف من أن يؤثر هذا علي بالمستقبل إذا تزوجت أو في دراستي وعملي، أيضاً أنا خائف من أن أعود لها لأنني يمكنني أن أعود لها بسهولة عن طريق الإنترنت، وأنا أقول أن هذا يمكن أن يكون درساً من الله لي لأنه أبعدني عن فتيات كثر ولكن لم أتعلم الدرس فأراد أن يؤلمني لأتعلم.

فهل كان فراقي لها صحيحاً أم كان علي الانتظار إلى أن أعلم هل أستطيع الزواج بها؟ وقد دعوت ربي إذا لم أستطع الزواج بها، وإذا تزوجنا لم نسعد ولم نرتح أن يفرقنا قبل أن نحب بعضنا ونتعلق كثيراً، ولكن كنت أرجو أن تذهب وحدها مثل الفتيات الأخريات، وأشعر أن هذا هو الجواب من الله.

أرجو إفادتي: كيف أتخلص من هذه الأفكار الغريبة التي تأتي في بالي وأنساها؟

وأتأسف لأني لا أستطيع أن أعبر عن شعوري، وأرجو أنكم فهمتم مشكلتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ جاسم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يغفر لك ما سلف من الذنوب والآثام، وأن يمنَّ عليك بزوجةٍ صالحة تكون عوناً لك على طاعته ورضاه، وأن يجعلك من العلماء العاملين والأولياء الصالحين.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فاحمد الله تبارك وتعالى أن عافاك من هذه العلاقات المحرمة، وإني لأحمد الله أيضاً كثيراً أن وفّقك الله تعالى لاتخاذ قرار التوقف وعدم الاستمرار في هذه العلاقة التي لا نتيجة لها ولا نهاية، فأنت كما ذكرت تُعاني من ظروف أو مشاكل في جنسيتك، وهذه الأخت التي كنت تتكلم معها مؤخراً من بلدٍ مختلف عن بلدك، وحسب المعطيات التي نعيشها في حياتنا الواقعية تجعل هذا الارتباط مستحيلاً، نعم أنت تحبها وأنت تتمنى لها الخير وكنت تتمناها أن تكون زوجة لك، ولكن الله شرح صدرك لأن تكون واقعياً، فأرى أن هذا القرار قرار صائب مائة بالمائة، وأرى أن الله أحبك، وأن الله تبارك وتعالى وفقك لهذا القرار لأنه يحبك.

وأما بالنسبة لهذه العواطف التي ما زلت تعاني منها فهي أمر طبيعي؛ لأن الحب عندما يصادف قلب الإنسان وهو خالٍ ليس فيه شيء يتمكن منه ويؤثر على سلوكه، ويتحكم في نمط حياته، ولكن مع الأيام ومع التوقف عن التواصل سوف تموت هذه العاطفة، لأنك تعلم كما قال الشاعر:

وما سمي الإنسان إنساناً إلا لنسيانه، فمن رحمة الله تعالى أن الله جعل الإنسان من صفاته أنه ينسى؛ ولذلك قال عن نفسه جل جلاله: (( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ))[مريم:64].

فأنت مع الأيام سوف تنساها تدريجياً - بإذن الله - لن تنساها قطعاً مرةً واحدة؛ لأن هذا الأمر مستحيل، خاصة وأنها لم تسئ إليك، ولم يكن بينكم عداوة أو خصومة تقتضي أن تتخلص من ذكرياتها، وإنما الأمور جاءت اتفاقاً، فهذه العواطف وتلك المشاعر ستظل معك إلى فترة، وسوف تتخلص منها قبل زواجك بفترةٍ طويلة - بإذن الله - فأنت ما زلت الآن في الثامنة عشر من عمرك وقد تحتاج إلى وقتٍ طويل حتى تتزوج بعد أن تؤسس مستقبلك، وخلال هذه الفترة - إن شاء الله تعالى - سوف تنساها، نعم هي ستكون عبارة عن أثر لأنها ما زالت في عقلك الباطن، فإن عقلك الباطن هذا أو اللاشعور يختزن كل المعلومات وكل الآمال وكل الآلام وكل المشاعر وكل العواطف التي يعيشها الإنسان، فهذا عبارة عن جهاز كمبيوتر كل ما يوضع فيه يحتفظ به، ولا يخرج منه حتى إذا مات الإنسان فيخرج مع خروج الروح.

إذن هذه مسألة طبيعية إلا أنها سوف تدخل في ملفات مغلقة لن تكون على سطح المكتب – كما يقولون – ومع الأيام ستكون المسائل عادية ولن تشعر بأي ألم في نسيانها وإنما مجرد ذكرى إن مرت بك قد تدعو لها وقد تسأل الله أن يغفر لها وقد تقول : (كنت أتمنى أن تكون زوجة لي)، ولكن - إن شاء الله تعالى – لن تؤثر عليك ما دمت أنت لا تفكر فيها، ولذلك أتمنى - بارك الله فيك – كلما جاءتك هذه الفكرة حاول أن تطردها عن نفسك، حاول ألا تجعلها تسيطر عليك، فإذا جاءك التفكير فيها وأنت جالس فقم، وإذا كنت نائماً وجاءك التفكير فيها فقم من فراشك وتحرك، وإذا كنت وحدك فتحرك مثلاً من الغرفة ..إلى الصالة ..إلى مقابلة مثلاً إخوانك ..أخواتك، إلى الخروج لأصدقائك، لقراءة كتاب، لمشاهدة برنامج هادف.

المهم لا تستسلم للأفكار؛ لأن استسلامك للأفكار يجعلها تتمكن منك حتى وإن لم يكن هناك تواصل، فكلما جاءتك الفكرة حاول أن تطردها عن بالك وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن تفكر في شيء آخر.

ومع الأيام بإذن الله تعالى وهي أيام قليلة ليست طويلة سوف تنتهي من هذا بإذن الله تعالى، ولن تؤثر لا على حياتك الزوجية ولن تؤثر على غيرك ولن تكون متعباً أو مجهداً عندما ترتبط بغيرها؛ لأن هذه كلها ستزول بإذن الله، ويكفيك أنك أطعت الله تعالى، وهذه أعظم نعمة، حتى وإن كان هناك بعض العذاب والألم في طاعة الله فهو حبيب وهو عظيم؛ لأنك ستأخذ عليه أجراً، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا أذىً ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).

فهذه الأحزان وهذه الهموم أنت مأجور عليها، فالحمد لله أن الله عافاك من ذلك، والحمد لله أن وفقك أنك لم تضحك على هذه الفتاة وتقيم معها علاقة إلى المجهول، والحمد لله أن ربنا سبحانه وتعالى أعانك على اتخاذ القرار أنت وهذه الأخت، ونسأل الله عز وجل أن يرزقها زوجاً صالحاً وأن يمنَّ عليك بزوجة صالحة، وثق وتأكد أنها لو كانت من نصيبك فتأكد أنها سوف تأتيك، حتى وإن كان بينك وبينها بُعد المشرقين، وإذا لم تكن من نصيبك حتى وإن كانت بجوار بيتك فلن تكون لك؛ لأن الله قدر المقادير قبل خلق السماوات والأرض وقسّم الأرزاق، ومن هذه المقادير والأرزاق الزواج، فأنت قد التزمت بالشرع - ولله الحمد - وهذا يكفيك فضلاً وفخراً، ونسأل الله أن يثبتك على ذلك، وأن يعوضك خيراً، وأن يجعلك من صالح المؤمنين.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً