الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصلاة يسيرة لكنني لا أجيدها...فكيف أتعلمها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عمري 17 عامًا، وقد هداني الله منذ سنة أو أقل تقريبًا، فقد كنت قبل ذلك مسلمة بالهوية فقط، ولا أعلم لماذا اختارني الله لأهتدي، ولكن الحمد لله، لم أبدأ الصلاة إلا في عام 2023، وفي منتصفه، وكانت صلاتي في الغالب غير صحيحة، ولم أكن أتطهر بشكل صحيح، ولا أفقه شيئًا في الدين، ولا أعلم متى بلغت، وكان صيامي بلا نية قبل أن يصح فهمي للنية، إذ لم أكن أستحضرها بقلبي.

كان لي ماضٍ سيئ، ومعاصٍ كثيرة، وكلام كفري، ثم هداني الله، وحاولت أن أتعلم أساسيات الفقه كالطهارة والصلاة والحيض، وقرأت كتاب (بلوغ المرام)، وكلما طرأ عندي سؤال بحثت عنه، وهذا الموقع له فضل كبير بعد الله.

وإلى الآن لا تزال صلاتي مليئة بالأخطاء، وكذلك طهارتي، وكل فترة أكتشف شيئًا جديدًا، والآن أشعر أن كل ما قمت به كان خاطئًا في العبادة، وأني لو مت فمكاني معلوم، وأتمنى أن أكون كباقي الصالحات، وأعجب بهنَّ.

مهما حاولت أن أصلح من نفسي، لا تزال هناك أخطاء، حتى قراءة الفاتحة، وهي أبسط ركن في الصلاة، أؤديها بطريقة خاطئة؛ بسبب بعض مخارج الحروف، ولأنني لم أتدرّب جيدًا من قبل.

أعلم أن الله أرحم الراحمين، وأعلم أنه سبحانه يغفر كل الذنوب، ولكن كيف تكون لي توبة وأنا لا أحسن الصلاة، مع أنني حاولت التعلم؟!

كل وقتي يضيع بهذه الأفكار، وأصبح يومي كله عبارة عن: "صليت خطأ، كيف أصلي الآن؟"، ويؤلمني أن الدين أصبح ثقيلًا عليّ مع أنني أحبه، وأخشى أن أبتعد عنه مرة أخرى، وأنحرف مع البيئة من حولي.

كيف أكون ممن يحبهم الله؟ وكيف أقترب منه؟ لدي ورد، وعزمت على قيام الليل -بإذن الله-، وأحاول الالتزام بالنوافل والصيام، ولكن ماذا عن الماضي؟ وكيف أصلح ما أنا فيه الآن؟ أخاف أن أتبع أيسر الأقوال فأصبح ممن يتبعون الرخص.

لا أحد من حولي يفهمني، فأسرتي ليست متدينة، ولم يعلمني أحد الصلاة، ولم يجبرني عليها أحد، كل ما لدي من دين الله كان بفضل الله ثم بمجهودي، لكنني تعبت، ومهما حاولت لم أتحسن. ماذا أفعل؟ الصلاة يسيرة، لكنني لا أجيدها، لا قراءة ولا طهارة، وكل مرة يظهر لي خطأ جديد في ديني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تقى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في موقعك استشارات إسلام ويب، والحمد لله الذي منَّ عليك بالهداية، وأسأل الله لكِ التوفيق والسداد والثبات على هذا الدين العظيم.

وجوابًا على تساؤلاتك أقول الآتي:

أولًا: أهنئكِ بالعودة إلى الله تعالى والتوبة النصوح، فمهما مرَّ الإنسان بذنوب ومعاصٍ وابتعد عن الله ثم تاب وأناب واستغفر؛ فإن الله يقبل التوبة، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ [الشورى:25]، وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53]، ويقول النبي ﷺ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» (صحيح ابن ماجه).

ثانيًا: بالنسبة لتذكركِ لذنوب ماضية، يكفي فيها الندم والتوبة والاستغفار، وأما الذي يجب عليكِ فعله فأمران: التوبة النصوح، وعدم اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى، فلا تيأسي من رحمة الله، فإن اليأس ليس من صفات المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف:87]، وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر:56].

بل عليكِ إحسان الظن بالله تعالى، وكلنا أصحاب ذنوب، فلا داعِ لليأس والقنوط، بل أبشري برب كريم رحيم، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي عَبْدِي مَا شَاءَ» (متفق عليه)، فأحسني الظن بالله تعالى، فهو سبحانه أرحم بنا من أمهاتنا.

ثالثًا: كتاب (بلوغ المرام) لا شك أنه عمدة للفقيه، غير أنه يحتاج إلى شرح مبسط، وهو كتاب يجمع أحاديث الأبواب الفقهية، وإذا أردتِ معرفة كيفية صفة صلاة النبي ﷺ، فعليكِ بكتابين:
- صفة صلاة النبي ﷺ للشيخ المحدث الألباني رحمه الله.
- صفة صلاة النبي ﷺ للعلامة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى.
فمن جمع بين هذين الكتابين فقد جمع الخير كله في هذا الباب.

رابعًا: بالنسبة للأخطاء في قراءة القرآن وخاصة الفاتحة، فأنصحكِ بأمرين:
1. الالتحاق بدور القرآن الكريم في بلدك، فإن لم تجدي فابحثي عن مدرسة القرآن ولو عن طريق الإنترنت لتتعلمي منها القراءة.
2. الاستماع إلى شيخ معتمد في القراءة، مثل الشيخ الحصري أو الشيخ المنشاوي رحمهما الله، وتكونين فاتحة للمصحف وأنتِ تستمعين للشيخ، ويكون معكِ قلم، والمصحف الخاص بكِ لتعليم الكلمات التي تخطئين فيها، ومع الأيام سترين النفع الكبير إن شاء الله تعالى.

خامسًا: لا تيأسي من رحمة الله تعالى حتى ولو كنتِ لا تحسنين الصلاة، ولا يدخل عليكِ الشيطان من هذا الباب حتى يوقعكِ في اليأس، وأذكر لكِ حديث المسيء صلاته، ففي (صحيح البخاري) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي ﷺ دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ، فرد عليه السلام، فقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فصلى، ثم جاء فسلم، فقال النبي ﷺ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق، فما أحسن غيره، فعلمني، قال ﷺ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا».

سادسًا: أبعدي عنكِ هذه الأفكار مثل قولكِ: "صليتُ خطأ، كيف أصلي الآن؟"، لا تكثري من هذا التفكير؛ فإنه يقودكِ إلى الوسوسة، وربما يكون ظنك أن لديك خطأً في الصلاة والقراءة قد يكون مبالغًا فيه، ويوقعكِ في الوسوسة، وهي في الأصل أوهام.

فأنصحكِ أن تفتحي بعض المقاطع في الإنترنت عن صفة صلاة النبي ﷺ وكيفيتها، فتتعلمي الصلاة، وتصلي ولا تبالغي في هذا الأمر، وكذلك قراءة القرآن كما أخبرتك سابقًا، وإذا أبعدتِ عن نفسك الوسوسة فلن تشعري بأن الدين ثقيل كما ذكرتِ، فإن الله تعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر:17].

ولا تخافي من الانحراف بسبب النية، فحافظي على الواجبات الشرعية وخصوصًا الصلاة، وعليكِ بهذا الدعاء: «اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ».

سابعًا: وأمَّا كيف تكونين ممن يحبهم الله ويقتربون منه، فاسمعي لهذا الحديث الذي قاله حبيبنا محمد ﷺ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» (رواه البخاري).

فحافظي على فرائض الله وسنة النبي ﷺ يحبكِ الله عز وجل، وعليكِ بالتقوى والإيمان واجتناب المعاصي؛ فإن ذلك هو الطريق إلى نيل رحمة الله ومحبته -سبحانه وتعالى-، وهذا الذي ينبغي أن تكوني عليه، ولكن لا تكلفي نفسكِ ما لا تطيقين من النوافل والقيام والصيام، فقد يؤدي ذلك إلى الفتور ثم ترك العبادات؛ فعن عائشة رضي الله عنها «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: فُلَانَةُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا. قَالَ: مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا، وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ» (متفق عليه).

ثامنًا: أما اتباع الرخص، فعليكِ في هذه المسائل بمذهب بلدك أو اتباع عالم سليم العقيدة محل قدوة، فالمستفتي مذهبه مذهب مفتيه، فلا تشغلي بالكِ بهذه المسائل، وأنصحكِ بقراءة كتاب (فتاوى إسلامية) لكبار العلماء، وهو كتاب معتمد جامع في كل الأبواب الفقهية.

تاسعًا: أسرتكِ وإن لم تعلمكِ الصلاة، فكوني أنتِ الداعية في هذا البيت، ولعل الله تعالى أن يهديهم على يديكِ، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة.

أسأل الله تعالى أن يفتح عليكِ أبواب الخير، وأبواب العلم، وأن يعلمكِ ما ينفعكِ، وأن يثبتكِ على الدين القويم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً