الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد التزامي أصبح الكل يسخر مني ويتنمر عليّ، فما توجيهكم؟

السؤال

أنا شاب بعمر 22 سنة، خريج حديث من جامعة أجنبية، عشت في الخارج بمفردي لمتابعة دراستي بعيدًا عن عائلتي، وفي ذلك الوقت كنت أصلي الصلوات الخمس، لكن لم أكن ملتزمًا بديني أكثر من ذلك، ولم أكن أصلي في المسجد، وأحيانًا كنت أصلي صلواتي متأخرًا.

في عائلتي، أمي فقط هي الملتزمة بالإسلام، أما بقية أفراد الأسرة فهم أكثر انفتاحًا، ووالدي لا يصلي.

خلال سنتي الأخيرة قبل التخرج، مررت بفترة صعبة، ولم يكن هناك أحد يدعمني، فبدأت أتعلق بديني وأقترب من الله، وابتعدت عن أصدقائي القدامى، ولم أشعر بهذا النوع من الرضا في حياتي من قبل، وبدأت أحقق درجات أفضل، وبدأت أقرأ القرآن كثيرًا، وأؤثر على بعض أصدقائي للرجوع إلى الله بالتوبة.

بعد التخرج، عدت إلى بلدي وكنت متحمسًا جدًا ليس فقط لرؤية عائلتي، ولكن للذهاب إلى المسجد لأداء الصلوات الخمس والتقرب أكثر إلى الله، ومع ذلك، مر نحو عشرة أشهر منذ عودتي من البلد الذي تخرجت منه، وقد تعرضت خلالها للسخرية والتنمر، وقيل لي بأني صارم جدًا بسبب التزامي بتعاليم الإسلام، مع أن الجميع مسلمون.

كذلك بدأت أنصح عائلتي ومن لا يصلون بالتوبة، لكن كل ما أحصل عليه هو ردود فعل سلبية وعدوانية.

بصفتي شاب ترك أصدقاءه القدامى وعاداته السيئة، ووجد نور الإسلام، من الصعب جدًا اتخاذ القرار الصحيح، لأنني أواجه مقاومة من والدي وعائلتي وأصدقائي.

والدي أحيانًا يغضب مني، ولا يحب أن أنصح إخوتي بالصلاة في المسجد، وهناك العديد من المواقف الأخرى التي لا أستطيع ذكرها.

ماذا يمكنني أن أفعل لإرضاء الله، وفي نفس الوقت إرضاء والديّ ومن حولي دون أي ضرر؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مهند حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يثبتك على الخير، وأن يربط بالإيمان على قلبك، نبشرك بأن الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير هما طريق الأنبياء والصالحين، لكنها طريق محفوفة بالصعاب، وليست ممهدة بالورود.

الاطلاع على سير الأنبياء في القرآن الكريم يُبرز حجم الصد والنكران والتكذيب والإيذاء الذي واجهوه، ومع ذلك كانت دعوتهم ثابتة، وهذا مما يجعل طريق الدعوة من أعظم الأعمال الصالحة، والتي تُوصِل إلى رضا الله تعالى، قال سبحانه: (ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين).

لذلك، أخي الكريم: توقع أن تواجه الصد والنكران، وربما الإيذاء وأنت تدعو الناس إلى الخير، لكن تذكّر حال الأنبياء والصالحين، ليزيدك ذلك ثباتًا وعزيمة وصبرًا، واعلم أنك على خير عظيم ما دمت تنصح وتعلم وتدعو الناس لما فيه صلاحهم، بالحكمة واللين والبصيرة، كما قال سبحانه: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).

أخي الفاضل، هناك خطوات أساسية للدعوة بحكمة وبصيرة، ينبغي أن تحرص عليها، وهي كالآتي:

أولاً: الإخلاص لله تعالى، اجعل نصحك وتعليمك خالصًا لله، لا لطلب الشهرة أو الرفعة، جاء في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَنْ عمل عملاً أشرك فيه غيري تركتُه وشركه).

ثانياً: تعلم العلم، سواء علم الشرع والأحكام أو معه أيضاً علم الدعوة والتأثير والإقناع، فاحرص على التعلم ومعرفة أفضل الطرق للتأثير في الناس، فمن دون علم، قد تُشدِّد في مواضع التيسير، أو تُسهِّل فيما يحتاج إلى التشديد، كذلك عليك أن تفرق بين الحلال والحرام، وتفهم الأحكام الشرعية حتى تدعو إلى الله على بصيرة.

ثالثاً: التدرج مع اللين، لا تُشدد على الناس في البداية، بل كن لطيفًا ومتدرجًا، وكرر النصيحة برفق، موضحًا جوانب الخير في اتباع ما تدعو إليه، وجوانب الضرر في تجنب ذلك، فالتدرج يُساعدك على التأثير الإيجابي في قلوب الناس.

رابعاً: القدوة الحسنة، الدعوة الصامتة بالأفعال هي الأكثر تأثيرًا، اجعل أخلاقك وسلوكك مثالًا حيًا لما تدعو إليه، حين يرى الناس القيم التي تنادي بها متجسدة في شخصيتك، فإنهم يتأثرون بسلوكك قبل كلماتك، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرآناً يمشي على الأرض، بأخلاقه وتعامله.

خامساً: الصبر وعدم استعجال النتائج، الدعوة تحتاج إلى صبر كبير، فقد ترى منكرًا، لكن تغييره يحتاج إلى وقت وجهد، لا تيأس من المحاولة، ولا تطلب التغيير الكلي دائماً، فالتغيير التدريجي هو السبيل الأنسب في كثير من الأحيان.

أخي الفاضل: إرضاء والدك يتطلب منك التلطف في نصحه، فللوالدين حق القربى وحق النصح، لذا كن لينًا في الحديث معهما، ولا تُغلظ القول أو تُشهِّر بما تراه من أخطائهما، كن سباقًا إلى الإحسان إليه، فربما يخجل من حسن تعاملك ويستمع إلى نصحك، وفي نفس الوقت تذكر قول النبي ﷺ: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، فإذا طلب منك والدك التوقف عن النصح فلا تستجب لطلبه، وفي نفس الوقت ليكن رفضك باللين والإحسان لا بالشدة والقسوة، فقد يكون رفضه بسبب طريقة تقديمك للنصيحة، أو اختيار الأوقات غير المناسبة، فأصلح أسلوبك، وابتعد عن الجهر بما قد يُنفره، واستمر بالدعاء له بالهداية والإحسان إليه.

أخي الفاضل: إرضاء الناس غاية لا تُدرك، فلا تُحمّل نفسك فوق طاقتها، واجتهد في تقديم النصيحة بالأسلوب الأمثل والوسائل المتاحة، وتذكر أن الناس مختلفون في الطباع، فمنهم من يستجيب ومنهم من يعارض، وقد تواجه الإيذاء، ومع ذلك، لا تيأس، بل استمر في الدعوة قدر استطاعتك وجهدك، متبعًا الحكمة والموعظة الحسنة.

أكثر من الدعاء والتضرع إلى الله أن يُنفع بك، وأن يُوفقك في دعوة الناس للخير، وأن يلهمك الصبر وحسن الخلق ، واجتهد في تزكية نفسك وحسن علاقتك بالله تعالى، والاطلاع على سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا مما يثبتك على الخير ويدفعك للصبر في الدعوة .

نسأل الله أن يرزقك الثبات، وأن يجعل دعوتك مباركة نافعة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً