الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكن أن أصبح عالمًا دون أن أدخل في سلك الدراسة الجامعية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هل هناك طريقة لأصبح عالمًا في العلوم الدنيوية النافعة وتوظيفها في خدمة الشرع بدون الحاجة إلى دراسة جامعة أو شهادة دكتوراه؟ مثل الخوارزمي والبيروني والحسن بن الهيثم والذين لم يدرسوا في جامعات، مع العلم أني أدرس بأول سنة في كلية الهندسة.

أنا منذ صغري شغوف بعلم الرياضيات والفيزياء والكيمياء وبارع فيها، بل وأحصل أحيانًا على الدرجة النهائية فيها، فهذه هبة من الله وهبها لي ولله الحمد، ولا أريد تضييعها بسبب أن نظام التعليم الجامعي عندنا سيء جدًا، لا أستفيد منه إطلاقًا، وكل مذاكرتي لأنجح فقط.

وسؤالي الآخر: هل من طريقة لأكون عالمًا في العلوم الشرعية عن طريق الإنترنت؟ مع العلم أني أعيش في بلدة خالية من العلماء تقريبًا، وحتى طلب العلم لدينا في دولتنا صعب جدًا بسبب وجود بعض الاضطرابات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب.

بدايةً أخي الفاضل نحمد الله على وجود هذا الطموح لديك، فهذا من المبشرات، وهو يعكس شغفك بالعلم النافع سواء في المجال الدنيوي أو الشرعي.

وهذا الطموح والهدف ليس مستحيلاً أن يتحقق، فمع الجد والاجتهاد والصدق والإخلاص تصل بإذن الله، خصوصًا أنك لا تزال في بداية الطريق، لكن عليك أن تفهم أسسًا مهمة في طلب العلم، حتى لا تفقد البوصلة في بناء العلم، فتذهب الجهود وتضل الطريق.

أولاً: عليك أن تحرص على تحصيل بركة العلم، وبركة العلم تتحقق بالإخلاص لله تعالى، وأن لا يكون هدفك من تعلم علوم الدنيا والدين الشهرة، أو أن يُقال عنك كذا وكذا، بل أن يرضى الله عنك، بأن تنفع العباد والبلاد، وأن يُثمر هذا العلم فيك، فتكون أكثر خشية لله تعالى وأقرب إليه، فالعلماء هم أكثر الناس خشية لله: "فمن كان بالله أعلم كان منه أخوف"، قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). فأخلص النية لله يبارك الله لك في وقتك، وعمرك، وعلمك.

ثانيًا: غاية العلم ليست حفظ المتون، وفهم المسائل والتفاخر بذلك، فهذه حجج عليك، فبتعلمها تصبح أكثر مسؤولية أمام الله ممن يجهلها؛ ولكن غاية العلم أن تعمل بهذا العلم، وأن تجعله سببًا في تزكية نفسك وتهذيبها من كل الآفات والأمراض، وأن تكون قدوة لغيرك في حسن أخلاقك وتعاملك معهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله جهنم" رواه ابن ماجه وغيره، وصححه الألباني.

ثالثًا: اجتهد في التدرج مع الصبر، ولا يأخذك غرور التعلُّم إلى القفز إلى مراحل متقدمة من العلم، ولكن تدرج في أساسيات العلوم الأولى، سواء العلوم الشرعية أو العلوم الدنيوية، فلكل علم أسس وقواعد وأصول، وبعد أن تعيها وتفهمها بشكل كامل، تدرج في الارتقاء حتى تصل بإذن الله إلى أعلى المراتب.

رابعًا: احذر مرض التشتت، وهو غياب المنهجية في طلب العلم، فعندما لا يعرف طالب العلم من أين يبدأ، وبماذا يبدأ، وكيف يبدأ، تتبعثر جهوده وتمضي الأيام والسنون، وهو لم يكتسب شيئًا يُذكر في العلم؛ لذلك عليك بمنهجية الطلب، وتبدأ بفهم الأولويات في طلب العلم، والتي تضع الأسس التي يُبنى عليها العلم بعد ذلك، ومن هذه الأسس في العلوم الشرعية الآتي:

الأول: اجتهد في تعلم القرآن تلاوةً وحفظًا وتدبرًا وفهمًا وتفسيرًا، فهو مصدر كل العلوم الشرعية.
الثاني: تعلم علوم العقيدة على فهم سلف الأمة، والتي تحقق لك الاعتقاد الصحيح بالله تعالى.
الثالث: تعلم علوم السنة والحديث والأسانيد لمعرفة صحيح الحديث وضعيفه.
الرابع: تعلم علوم السيرة النبوية والأحداث، وربطها بالقرآن، والسنة، واكتساب العظات والعبر منها.
الخامس: تعلم الفقه، والأحكام الشرعية، واللغة العربية، وغيرها من العلوم بالتدرج، ثم التوسع.

خامسًا: بعد أن تؤسس نفسك علميًا، تخصص في فن من الفنون العلمية، وتوسع فيه حتى تتفوق وتبرز، وتكون مرجعًا فيه، واحرص أن يكون هذا المجال مما تحبه، وتشعر بالشغف والرغبة الشديدة فيه.

أخي الفاضل: طريقة الجامعات والكليات طريقة منظمة وُضعت أصلًا لضمان التدرج والتركيز المرحلي لكل مرحلة، حتى يتخرج طالب العلم بشكل منهجي دقيق؛ لذلك، لا ننصحك بترك الدراسة الجامعية، أو التقصير فيها، ولكن يمكن أن يكون لك نشاط جانبي آخر يزيد من ثقافتك المعرفية وقدراتك في هذه العلوم، من خلال توسيع القراءة في هذه المجالات، وكتابة البحوث، وحضور المحاضرات التي تزيد من ثقافتك وتنمي لديك الشغف بالتوسع والمعرفة.

ومن ذكرتهم من علماء الفيزياء والرياضيات كانوا يسيرون على منهجية واضحة، وتعمقوا في تخصص واحد حتى برعوا فيه وأتقنوه واشتهروا به، وكذلك يُقال في العلوم الشرعية، فلا بد فيها من المنهجية والتدرج والتخصص بعد التأسيس.

أخي الفاضل: لا شك أن من نعم الله تعالى على طالب العلم اليوم ما يوجد من وسائل تعلّم متاحة وميسرة، ومن ذلك الإنترنت، فيمكنك الاستفادة من الدروس عبر الإنترنت بلا شك، ففيها خير عظيم وإيجابيات كثيرة، ولكن في نفس الوقت هناك محاذير، وعليك أن تحرص على ضوابط مهمة تراعيها عند التعلم من الإنترنت، منها:

أولاً: - مجال الإنترنت مجال مفتوح: لذلك عليك الحذر من طبيعة العلوم والأشخاص الذين تتلقى منهم العلم؛ لذلك لا ننصح بالاكتفاء بالتعلم من الإنترنت فقط، وإنما يمكن جعله وسيلة للتوسع والاستزادة، وعليك أولًا تأسيس العلم مع الشيوخ والعلماء المستفيدين في حلقاتهم قدر المستطاع، ثم التوسع بعد ذلك بالبحث، والقراءة، والمطالعة.

ثانيًا - ضمان الالتزام وعدم التشعب: لأن دروس الإنترنت متيسرة في أي وقت، فهذا يجعل الالتزام ضعيفًا، وربما الانتقال إلى غيرها أو عدم إكمالها مما يوقع طالب العلم في التشتت، الذي يُفسد طلب العلم؛ لذا عليك بالالتزام بدروس محددة من البداية إلى النهاية، مع تدوين الملاحظات والحرص على الفهم والتكرار، كأنك تجلس بين يدي عالم.

ثالثًا - ضرورة الالتزام بالمنهجية حتى في الدراسة عبر الإنترنت: فالدروس عبر الإنترنت متاحة للجميع ومتيسرة؛ مما قد يجعل طالب العلم يحتار في الانتقاء واختيار المناسب؛ لذلك نؤكد مرة أخرى على ضرورة البدء مع شيخ وطالب علم متقدم، ثم الاستزادة والتوسع بعد ذلك.

رابعًا: - يمكنك الاستفادة من المنصات التعليمية الموثوقة كموقعنا هذا "إسلام ويب"، ففيه من الدروس والمحاضرات ما ينفعك الله به، وغيره من المواقع التي تنشر علم أهل السنة والجماعة.

أخيرًا: لتشعر ببركة العلم والتحصيل، لابد من أن تكون علاقتك بالله قوية ووثيقة، فالعلم نور، ونور الله لا يُهدى لعاصٍ، لذلك، عليك أن تكون وثيق الصلة بالله، كثير التقرب إليه بالطاعات، كثير الذكر والدعاء، وقدوة في أخلاقك وتعاملك مع الناس.

نسأل الله أن يوفقك لطلب العلم، وأن ييسر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً