الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل لن أنال التوفيق في زواجي لعدم رضا أمي عن اختياري؟

السؤال

السلام عليكم.

ولدت ونشأت في بلد غير بلد أهلي الأصلي، ولم أذهب إلى بلد أهلي إلا سنوات الجامعة اضطراراً، والحاصل أني لا أحب بلد أهلي، ولا ثقافة مجتمعه؛ فمنتشر فيه الفساد الأخلاقي والديني، والسحر والحقد، وقد أوذينا كثيراً منه، ولم أتشرب ثقافته، وكان هذا الاختلاف هو سبب رفضي لجميع الرجال الذين تقدموا لخطبتي بسبب (اختلاف الثقافة، ومكان العيش، وعدم التوافق).

جاءني أخيراً خاطب متدين من نفس البلد الذي ولدت فيه، قبلته وارتضيناه ديناً وخلقاً، إلا إن أمي غير موافقة، بسبب أنه لن يعيش في بلدها، وجنسيته مختلفة، وبالطبع رغبة أمي بعيشي في ذلك البلد، هو بدافع العاطفة فقط، وقد حاولت أن أسترضيها، وقد بيّنت لها أني مسؤولة أمام الله عن قرار الزواج، وأنه يجب علي أن أختار الشخص الذي أظن أن لدي القدرة على طاعته ومعاشرته معاشرة طيبة.

أخبرتها كذلك أني مسؤولة عن اختيار البيئة التي أظن أني أستطيع إقامة ديني فيها، وتربية أبنائي عليها، وكلما استطردت في البيان والشرح لأمي، ازداد غضبها وحزنها، وتقول إنها ستقاطعني، ولا تريد أن تراني، وتقول كلامًا جارحًا جداً مثل إني حرمتها فرحتها بي، أو أنكرت فضلها علي، أو أني لا أحبها، وتقول: إن الله لن يوفقني.

مع العلم أني قد اشترطت على خطيبي ألا يمنعني من زيارة أمي متى ما أردت، وهو موافق، وفرحٌ بأنني بارة بأمي، مع العلم أن أمي عموماً لا يرضيها إلا ما تريده هي، وقد تأذينا من أمنا كثيرًا منذ صغرنا لأسباب كثيرة، ومع ذلك نجاملها، ونحاول إرضاءها دائماً، لكنها غير راضية عن أحد فعليًا، بل تظن أنها ضحية الكل، وأننا جميعًا نكرهها، ولا تعترف بأخطائها، وهي حساسة جداً من ناحيتي؛ لأني الأحب إليها، ولكني تعبت نفسياً من شدتها علي، وأخاف أن أعقها.

فما أصح طريقة للتعامل معها؟ وهل فعلاً لن أوفق في زواجي لعدم رضاها عنه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يقدر لك الخير، وأن يرضيك به، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في الدنيا والآخرة

الأخت الكريمة: إننا نتفهم تمامًا حديثك، وندرك أن البون الشاسع بين الثقافات قد يكون عاملاً من عوامل عدم استقرار البيوت الزوجية، ولكنك ذكرت أن الشاب متدين، ومحب لبرك بوالدتك، وحريص عليك، وهذه كلها أمور جيدة ومبشرات طيبة، بقي أن الوالدة معترضة على هذا الزواج، واعتراضها لا يخلو من وجهين:

الأول: أن يكون رفضها لسبب شرعي في الخاطب، فعندئذ لا يجوز القبول به، فقد اجتمع عليه الأمر الشرعي، وأمر الوالدة.

الثاني: أن يكون رفضها لغير سبب شرعي، فعندئذ نقول لك: إذا كان ولي الأمر (الوالد) موافقًا فإنه من حيث المبدأ يجوز، ذلك أن الزواج يشترط لصحته خمسة شروط، وهي:

- تعيين الزوجين
- رضا الزوجين.
- وجود الولي، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا نكاح إلا بولي)، ولحديث: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل)، وأحق الأولياء بتزويج المرأة والدها، ثم جدها، ثم ابنها، فالأخ الشقيق، فالأخ لأب، ثم الأقرب فالأقرب، على تفصيل معروف عند الفقهاء.
- الشهادة عليه: لحديث عمران بن حصين مرفوعًا: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).
- خلو الزوجين من موانع النكاح، بأن لا يكون بالزوجين، أو بأحدهما ما يمنع من التزويج.

وعليه فإذا توافرت الشروط، ووافق الولي، ورفضت الوالدة لما ذكرت من أسباب، فإن الزواج يصح، إلا أننا نستحب لك الاجتهاد في إقناعها، وحث من له مكانة عندها على الحديث معها؛ حتى يشرح الله صدرها لذلك.

واجتهدي في معرفة الأسباب التي تدفعها للرفض، ثم اجتهدي في إزالتها أو إرضائها، ولا تستحضري ما كان منها تجاهك من سوء، فإن البر بالوالدين لا يشترط فيه إحسانهما، بل نص القرآن على البر بهما وإن كانوا كفرة.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً