الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أواجه الفتن أثناء دراستي في الغرب، فكيف أحصن نفسي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحسن الله إليكم.

أنا طالب جامعي في أحد البلاد غير العربية، وأواجه مشاكل كثير من ناحية الفتن، توجد فتن شديدة من ناحية النساء كقطع الليل المظلم بالنسبة لي، الوضع أصبح صعبًا جدًا، لأن الزواج في هذا البلد صعب جدًا، ومن ناحيتي لا يوجد أي شيء يعينني على الزواج، لا من ناحية الحالة المادية، ولا من ناحية الأهل، وأمور كثيرة أخرى والله المستعان.

وأنا أطلب العلم في أحد البرامج، والبرنامج هذا ثقيل جدًا ويحتاج لوقت كبير، وأنا أرى نفسي في هذا الطريق، وقد نذرت نفسي له، لهذا لا أستطيع أن أعمل مع الجامعة لما أجده من ضغوطات.

ولقد وقعت في ابتلاءات كثيرة جدًا، وكنت أقع بتلك العادة السيئة، وأشاهد أشياء سيئة، حتى وصل الحال بي إلى أن اقتربت من الزنا، فكنت أتواصل مع بغايا، فأذهب عندهن، لكن يكون هناك شيء في قلبي يمنعني من هذا الفعل فأرجع ولا أفعل، وقد ذهبت إلى بيت أكثر من امرأة وكنت على وشك الوقوع، لكن كان هذا الشيء يمنعني من هذه الفاحشة القبيحة، والله سبحانه هو الذي أنجاني، فله الحمد والشكر، مع أني كنت أستحضر أن الله يراني، وأستحضر عذاب الله، وأدعو الله على الطريق أن يبعدني، لكن كنت أمشي وكأنني سكران، فقط أريد عمل الفاحشة.

لكني أخاف أن يزداد الأمر سوءًا، فأقع فعلًا، الوضع صعب جدًا، أمر الزواج مغلق في وجهي من كل النواحي، هذا غير الضغط الذي أجده من الأهل؛ لأجل دراستي الجامعية، وما ينتظرونه ويأملونه مني كبير من الناحية الدنيوية.

أينما أنظر أجد باب الزواج مغلقا من كل النواحي.

لقد تبت إلى الله تعالى من المعاصي التي كنت أفعلها -سواء المشاهدة، أو العادة السيئة-، ووالله لقد ضاق بي الحال، وأخشى كل الخشية أن أقع في الفاحشة، لا أعلم ماذا أفعل! كل باب مغلق في وجهي، أنا -والذي نفسي بيده- لا أريد إلا أن أعف نفسي، لكن كيف يكون هذا وهذه هي حالي؟

أنا أتحرى أوقات استجابة الدعاء -آخر ساعة في الجمعة، أو القيام، أو ما بين الأذان والإقامة- وأدعو الله -عز وجل- بأن ييسر لي الزواج، وأدعو الله -عز وجل- أن يبعدني عن الفاحشة، وأعلم بأن الزوجة رزق وتحتاج لدعاء وسجود كثير، لكني في هم كبير، ومن الممكن وبأي لحظة أقع في هذا الفعل القبيح.

أرجو منكم أن توجهوني، لعل كلمة منكم توقظني، وتجعلني كلما تذكرتها وكنت في موطن المعصية أبتعد فورًا عنها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الهادي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله أن يُثبتك على التوبة ويصرف عنك السوء والفاحشة، وأن يرزقك الزواج الصالح وييسر أسبابه لك.

بداية: نُبشرك -أخي العزيز- أن مجرد شعورك بهذا الخوف ورفضك لهذا الفعل الفاحش هو دليل خير في قلبك، ونفس لوّامة تدفعك لرفض هذا الفعل القبيح، ولكن هذه النفس إن لم تدعمها بالعمل الصالح ووسائل المقاومة النفسية فإنها تضعف، خصوصًا عندما تتراكم عليها الذنوب وتكثر عليها الصغائر، حينها يصبح الوقوع في الفواحش يسيرًا وسهلًا؛ لأن النفس أصبحت ضعيفة وعاجزة عن المقاومة.

أخي الكريم: نقدم لك مجموعة من النصائح، ونسأل الله أن ينفعك بها:

أولاً: عليك -أخي العزيز- أن تبتعد عن كل ما يثير مكامن الشهوة في النفس، لا تفتح هذا الباب على نفسك ثم تتألم من نتائجه، سواء في الأماكن أو أصدقاء السوء الذين يُهوِّنون أو يتحدثون عن هذه الشهوات، كذلك من المهم غض البصر عن الحرام سواء المواقع القبيحة، أو الأفلام والمسلسلات، أو مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، فالعين عندما تنظر تتمنى، وإذا كان القلب ضعيفًا وليس لديه رصيد من الأعمال الصالحة والطاعات فإن الرقابة والخشية تكون لديه ضعيفة، لذلك ربط القرآن بين غض البصر وتحصين الفرج، فقال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون).

ثانيًا: تقليل الأكل، والفراغ، وهذا له تأثير كبير في إضعاف الشهوة، وهو علاج نبوي وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه. فالصوم يقلل من قوة الشهوة ويعينك على تهذيب نفسك، فإن لم تستطع الصوم فعوّد نفسك الجوع وعدم الإسراف في الأكل، وبادر كذلك إلى ممارسة الرياضة، والانشغال بأمور مفيدة، فالفراغ له دور في تحريك التفكر في الشهوات.

ثالثًا: التخلي عن وسائل المعصية وكل ما يذكرك بالفاحشة، فقلبك الآن بحاجة إلى اهتمام وعناية وإحاطته بسور من الاهتمام المبالغ فيه حتى يتجاوز هذه المرحلة بسلام، فكل الوسائل التي تقربك من المعاصي ابتعد وتخلَّ عنها، وهذا يساعدك على بناء مقاومة إيمانية ترفض هذا الفعل المحرم.

رابعًا: شُغل القلب بالإيمان والأعمال الصالحة وذكر الله تعالى، وحفظ القرآن الكريم وتلاوته وسماعه ونوافل العبادات؛ كل هذه الأعمال عندما تمارسها بحضور قلب وخضوع وخشوع فإن القلب يقوى على مواجهة الشهوات، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) رواه مسلم.

خامسًا: الرفقة الصالحة لها أهمية في تثبيت الإنسان على الخير، عليك أن تبحث عن رفقة صالحة وتحرص على الاقتراب منهم ومرافقتهم، كجماعة المسجد والصالحين ممن حولك، فالصالح ينصح للخير ويدُّلك عليه، وتجنب رفيق السوء فإنه يدفعك للشهوات ويُهون فعلها في نفسك.

أخيراً: يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم)، لذلك لا بد أن تبذل الوُسع والاجتهاد في تغيير واقعك وحياتك لتجد النتائج الإيجابية، الخوف دوره أن يدفعك للتغيير والبحث عن وسائل النجاة، ولا ينبغي أن يكون الخوف مجرد قلق وألم لا يُترجم إلى أفعال وبناء وتربية.

أكثر من الدعاء والتضرع لله تعالى أن يحفظك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اجعل لنفسك جدولًا يستغرق وقتك كله ما بين الدراسة، والعبادات، وقراءة القرآن وحفظه، والذهاب إلى المسجد، وسماع المواعظ، هذا الأمر مع الوقت لن يدع فرصة للعقل أن يفكر في الشهوات، وإذا وجدت نفسك تضعف وتميل للشهوات أو تفكر فيها فاستعذ بالله تعالى وبادر إلى الانشغال بأي طاعة ولا تسترسل في التفكير فيها.

اجتهد في إحاطة بيئتك الدراسية بالأعمال الصالحة وكل ما يحفظ لك دينك، فإن وجدت أن هذا الأمر غير ممكن فدينك أولى بالحفاظ من غيره، فعليك أن تقنع أسرتك أنك عاجز عن الحفاظ على دينك، فإما أن تتزوج وتحصن نفسك أو تنتقل إلى بلد مسلم يوفر لك هذا العلم وتقل فيه الفتنة.

وفقك الله ويسر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً