الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهلي يسيئون لي ولزوجي لأنهم يريدون راتبي لهم فقط!

السؤال

السلام عليكم.

أريد حلاً لمشكلتي، بحيث لا أدخل في العقوق، أو قطع صلة الرحم.

أنا فتاة، بدأت العمل بسن 20 سنةً، وساعدت أهلي بالمصاريف، ودرست إخوتي، وصرفت عليهم بعد توقف والدي عن العمل بعد سنتين، واستمررت على ذلك لسن الثلاثين، وتزوجت، ثم انفصلت، ورجعت لأهلي، وما زلت أساعدهم بالمصروف بشكلٍ كاملٍ، وعندما أصبح عمري 32 سنةً تقدم لي شاب حسن الخلق والسمعة، ووافقت عليه، ولكن أهلي رفضوه، وتم الزواج به، وكان حسن المعشر، كريماً، لا يسيء لي بشيء، ولكن أهلي يكرهونه، ولا يطيقون حتى اسمه، وهذا يزعجني.

حدثت الحرب بغزة، واضطررنا للنزوح من مكان سكني إلى بيت أهلي، برفقة زوجي، ولكنهم أساؤوا معاملتي أمامه، وكأنني غريبة، وأهانوني أمامه، وكل يوم أمي تسمعني كلامًا بأن هذا المنزل ليس منزلي، وخاصةً بعد وفاة والدي، لكني لا أرد عليها إلا بأن لي حقاً هنا، وهذا منزلي كما هو منزل الجميع، فأصبحت تتهمني بأنني أطلب ميراثي، مع أنني لم أطلبه.

لا أحد يقف معي، وأنكروا تعبي معهم، ومساندتي في تعليمهم ودعمهم، ولكن زوجي لا يأبه لكل ما يحدث، ويدعمني، ولا يحملني مسؤولية ما يحدث، بل يحثني على حسن التعامل معهم.

وأصبح الأمر لا يطاق، ولا أجد مكانًا آخر أذهب إليه، وفي نفس الوقت أعلم أن أهلي لا يوجد لديهم مصدر دخل، فأدعمهم بالمال كمساعدة خلال الحرب، وأطلب الأجر من الله.

لقد أصبح الأمر معلومًا عند زوجي أن أهلي رفضوه كزوج لي لأنني موظفة، وأن راتبي وما أملك سيكون لبيتي، وزوجي، وأولادي، وليس كما كنت في السابق قبل الزواج.

مع العلم أنه كان يتقدم لي الكثير، وكنت أرفض بسبب أن أهلي لم يساعدوني على الاختيار، وإن كان الشخص جيدًا، فقد كانوا يرفضونه، فعندما تمسكت بزوجي، أجبرت أمي وإخوتي على إتمام الأمر، وأحمد الله على حسن الاختيار، فماذا أفعل مع أهلي؟ فأنا لا يهون علي تركهم في الحرب بلا مصدر دخل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله تعالى أن يفرج عنكم جميعًا، وأن يكتب لك الأجر والمثوبة لما تقدمينه من إعانة لأسرتك؛ وكوني على ثقة من أن هذا العمل لا يضيع.

وقد أحسنتِ أنك تطلبين بذلك أجر الله تعالى، فكوني على ثقة من أن الله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وأن الإحسان إلى أهلك -أمك وإخوتك- سيعود عليكِ بالخير العميم والرزق الوفير؛ فإن الله تعالى يخلف على المنفق، كما وعد بذلك في كتابه الكريم، حيث قال: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"، والملك في كل صباح يدعو للمنفق بالخلف، فيقول: "اللهم أعطِ منفقًا خلفًا"، وهي دعوة مستجابة.

وسترين بركة هذا في نفسك، وفي أولادك، وفي صلاح أسرتك، وأنتِ الآن تلاحظين ذلك؛ فمحبة زوجك لكِ، ووقوفه بجانبك، ونصحه لك بأن تحسني إلى أهلك، مع بقاء الود بينكما، كل هذا من بركات هذه الأعمال التي ترينها ثقيلةً عليك؛ فكوني على ثقة بأن الله سبحانه وتعالى كريم، وأنه سيخلف عليك بخير مما يذهب منك.

ونصيحتنا لكِ أن تعرفي الحقوق الشرعية، فإن لكل أحد حقاً عليه واجب؛ فمن حقوق أمك عليكِ أن تعينيها بالنفقة إذا كانت فقيرةً وتحتاج إلى الإنفاق، وكنتِ تجدين شيئًا زائدًا عن نفقة نفسك وأولادك، فإذا كان زوجك فقيرًا لا يجد ما ينفق عليكِ وعلى أولادك، فابدئي بنفسك، ثم بأولادك، كما أخبر بذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- والحديث في صحيح مسلم، قال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضلَ عن أهلك شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك"، وقد رتب النبي -عليه الصلاة والسلام- القرابات بحسب القرب، فقال: "ثم أدناك أدناك".

فالشريعة الإسلامية جاءت بنظام متقن محكم ودقيق في ترتيب الحقوق؛ فإذا ضاقت عليك الأمور، ولم تتمكني من أداء الإحسان للجميع، فلا بد من هذا الترتيب، بأن تبدئي بنفقة نفسك، ثم بنفقة أولادك، ثم نفقة أمك، فإن فضل بعد ذلك شيء، وقدرتِ على إعانة إخوانك، فهذا فضل كبير، وأجر عظيم، وسيعوضك الله تعالى خيرًا منه.

فإذا فعلتِ ذلك، فإنكِ -بإذن الله تعالى- قد أديتِ الواجب، وسلمتِ من الوقوع في العقوق، أو قطع صلة الرحم، ولا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها، كما أخبر بذلك في كتابه الكريم، والكلمة الطيبة صدقة، فحاولي أن تحسني خلقك مع من حولك من أقاربك؛ فقد قال الله -سبحانه وتعالى- في سورة الإسراء، وهو يتكلم عن مواساة الأقارب، فيقول إذا لم تستطع، يقول سبحانه وتعالى في الآية: "وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسورًا"؛ بمعنى أنك إذا كنتِ لا تستطيعين الآن إعانتهم، وتأملين أن تتحسن الظروف، وتقدرين على تقديم المعروف لهم في المستقبل، فقولي لهم الآن قولًا معروفًا، قولًا كريمًا ولينًا، بأن تعديهم فيه بالإعانة عندما تقدرين عليها، ونحو ذلك من الكلام الطيب، فإن الكلمة الطيبة صدقة، وتؤثر في النفوس أثرًا عظيمًا.

ونوصيكِ بتحمل الأذى، والصبر على أذاهم إذا آذوكِ بالكلام ونحوه، وأن تتذكري أن هذا الإيذاء يعود وباله عليهم، فهم الذين سينالون جزاءهم إذا أساؤوا بعد إحسانك أنتِ؛ وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمن جاء إليه يشكو إليه ظلم أقاربه له مع إحسانه: "إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ". فقال: "إن كان كما قلت فكأنما تسفهم المل"؛ أي تطعمهم الرماد الحار، فهم الذين سيتأذون بهذه الأعمال.

فاستعيني بالله سبحانه وتعالى، واسأليه أن ييسر لك الخير، وأن يعينك على البر والإحسان إلى من حولك، وسترين من الله تعالى التوفيق والتسديد، نسأل الله تعالى لكِ كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً