الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ألبي رغبة أمي زيارة أخوالي مع خوفي تفويت العلم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بارك الله فيكم وحفظكم، ونفع بكم بهذا الموقع الطيب، أما بعد:

لقد ذهبت أسرتي لأخوالي، وجلست أنا بسبب درس علم مهم، وأخبرت والدتي أني سآتي في اليوم التالي، ولكن في هذا اليوم، بعد رجوعي من الدرس متأخراً، وعدم نومي جيداً في اليوم، ضاع عليَّ قيام الليل والفجر -أسأل الله أن يغفر لي- وبسبب ذلك صدري ضيق للغاية، ومجرد استشعار أن حفظ الله لي غير موجود يقلقني جداً، فقمت بصلاة استخارة هل أذهب أم لا، وعندما اتصلت بوالدتي أخبرتني أن آتي، فقلت لها حسناً، ولكن حتى بعد الإغلاق معها ما زلت أشعر بضيق شديد، ورفض شديد للذهاب.

بالإضافة إلى أنه عند أخوالي سأصرف عن مذاكرة العلم الشرعي، بسبب إجباري على الجلوس معهم، كما أنه يحدث منكرات كثيرة، وحديث عن الدنيا كثير، ومناقشات من أخوالي، ومحاولاتهم جعلي أترك طلب العلم الشرعي، فما العمل؟

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك وأحسن إليك، ونسأله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير في الدنيا والآخرة، وأن يشرح صدرك لما فيه طاعته ومرضاته.

أنت في موقف حساس يتطلب الحكمة في التعامل مع الأمور، ما تشعر به من ضيق بسبب تفويتك لصلاة الفجر وقيام الليل، أمر طبيعي بالنسبة لمن كان معتاداً على طاعة الله والحرص عليها، وهو شعور يدل على خيرية قلبك ورغبتك في الاستقامة، ونبشرك بأن الله -سبحانه وتعالى- غفور رحيم، يتوب على من تاب، ويقبل من أقبل عليه بقلب صادق؛ لذلك من المهم أن تُكمل السير في طريق التوبة والرجوع إلى الله بتعويض ما فاتك من طاعات بما تستطيع، والاستغفار، والعودة إلى الإخلاص.

فيما يخص زيارتك لأخوالك، إن ما تشعر به من تردد وضيق قد يكون له عدة أسباب:

1. من الواضح أن الجو عند أخوالك مليء ببعض الأمور التي تزعجك دينيًا مثل المنكرات والحديث الدنيوي، وقد يؤدي هذا إلى شعورك بالابتعاد عن طلب العلم الشرعي، لكن ينبغي أن تسأل نفسك: هل تستطيع تحقيق مصلحة معينة من هذه الزيارة؟ وهل يُمكنك الاستفادة منها في الدعوة إلى الله بلطف وحكمة؟

2. طالما أنك قمت بصلاة الاستخارة وطلبت الخير من الله، فينبغي عليك أن تكون على يقين بأن ما سيحدث هو الخير لك، فإذا ما زلت تشعر بضيق شديد بعد الاستخارة، فقد يكون هذا علامة على عدم ارتياحك للذهاب، لكن من المهم أن تراجع نيتك في هذا الأمر وما هي الأولويات التي تسعى لتحقيقها.

ما يمكنك فعله:
1. من الواجب عليك بر الوالدين والأقارب، لكن لا يعني ذلك التضحية بالعلم الشرعي أو الانغماس في بيئة غير صالحة، يمكنك التفاوض مع والدتك حول مدة الزيارة، بحيث تكون قصيرة وتحقق فيها مصلحة الصلة والبر، وفي الوقت نفسه لا تفقد تركيزك في طلب العلم، قم بالتحدث مع والدتك بصراحة وبأسلوب لطيف حول مخاوفك فيما يتعلق بزيارتك لأخوالك، وضح لها أن هناك منكرات في بيئة أخوالك، وأنك ترغب في الحفاظ على استقامتك في طلب العلم، حاول التوصل إلى اتفاق معها حول إمكانية تقصير مدة الزيارة، أو ترك مجال لك للابتعاد عن الجلسات التي لا تفيدك دينياً أو علمياً.

2. إذا كان عندك القدرة على تغيير بعض المنكرات أو الدعوة بلطف وحكمة، فحاول القيام بذلك، أما إن كنت ترى أن البيئة ستؤثر عليك بشكل سلبي ولا تستطيع التعامل معها، فقد يكون الأفضل تقليل مدة الزيارة أو إيجاد بديل، إذا كان عليك الذهاب بسبب بر والدتك وصلة الرحم، فحدد مدة قصيرة للزيارة؛ بهذه الطريقة تكون قد أديت واجبك تجاه أهلك، وفي نفس الوقت لم تُعرض نفسك لفترات طويلة من الانغماس في أجواء قد تضر بتركيزك الديني، إذا ذهبت لأخوالك بنية صلة الرحم وبر والدتك، مع الحرص على تجنب المنكرات بلطف وحكمة، فستكون نيتك في محلها، تذكر أن النية لها وزن كبير في الإسلام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".

3. التدرج في ترك الدنيا والتوجه للآخرة، فلا شك أن الحياة مليئة بالمشاغل والحديث عن الدنيا، لكن يجب أن تحاول تجنب الانشغال الزائد بها، وتذكير نفسك والآخرين –باللطف– بأهمية التركيز على الآخرة.

4. احرص على الموازنة بين الطاعات، فقد يكون عدم نومك بشكل كافٍ أثر على قدرتك في القيام بالعبادات بشكل جيد، تذكر أن الإسلام دين يراعي حاجات النفس والجسد، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا"، فاحرص على تنظيم وقتك بما يحقق التوازن بين حاجات جسمك وأداء العبادات. وتذكر قول الله تعالى: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [التغابن: 16]، وهذا يعني أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ابذل جهدك في الطاعة وتجنب الإسراف في تحميل نفسك ما لا تطيق. وقال الله تعالى: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" [القصص: 77]. هذه الآية تؤكد ضرورة التوازن بين الآخرة والدنيا، ويمكن أن تطبق في حياتك عبر الموازنة بين العبادة (طلب العلم) وبين واجبات الدنيا (الأسرة).

وفي نفس الوقت قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يكن أحدكم إمعةً، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطِّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم". (حديث حسن).

من المهم أن تفهم أسرتك أهدافك واهتماماتك بطلب العلم الشرعي، إذا شرحت لهم أهمية طلب العلم بالنسبة لك، قد يتفهمون حاجتك للوقت والمكان المناسب للدراسة.

التوازن بين العلم والأسرة يأتي عبر تنظيم الوقت، الاستفادة من الأوقات المناسبة، التحدث بصراحة مع الأسرة، استحضار النية الصالحة، وطلب العون من الله، بهذه الطريقة يمكنك تحقيق التوازن والنجاح في كلا المجالين.

يسر الله أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً