الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي تغضب إن لم أحدثها عن خصوصيات زوجي وأهله!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخاف أن أكون عاقة لوالدتي أو أنني لا أبرها كما يجب، أمي شخص كثير العطاء، وتحبني حباً شديداً كما تقول، وتهتم بطلباتي وحاجاتي، لكنني أشعر أنها تلبي رغباتي فقط إذا أعجبتها، وإن لم تعجبها، تهاجمني بشدة حتى في مواضيع غير ضارة، مثل اختياري لمجال دراستي، على سبيل المثال!

أمي دائماً تقول لي إنني صديقتها الوحيدة، وتشارك معي كل شيء، وفي أوقات كثيرة تشتكي من والدي، وهذا الحديث يثقل قلبي، ولا أحب سماعه؛ لأنني لا أريد أن أسمع كلاماً سيئاً عن والدي، عندما صارحتها بأنني لا أحب سماع مثل هذه الأحاديث؛ هاجمتني.

لقد تزوجت السنة الماضية، وهي تقول إنني تغيرت كثيراً، ولم أعد ابنتها التي تعرفها، أعتقد أنها تقول هذا؛ لأنني أحياناً أرفض الإفصاح عن خصوصيات زوجي وأهله، وأنا لا أحب التحدث عن هذه الأمور في معظم الأحيان، وأحاول تجنب الحديث عنها.

قد أكون مخطئة في طريقة ردي على طلباتها، فهي لا تكون دائماً بلطف، وأقول لها بصراحة: "ما أدري، أنا لا أحب أن أعرف خصوصيات الناس، ولا أحب التحدث فيها". ربما يحرجها هذا، لكن إن لم أقل ذلك، ستظل تلح علي لكي أعرف.

أتمنى المساعدة في هذا الموضوع، ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خلود حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختنا العزيزة: يبدو أن علاقتك بأمك معقدة، وتجمع بين مشاعر الحب والاحترام من جهة، وبين التوتر والشعور بالضغط من جهة أخرى، ما تمرين به هو حالة شائعة بين الكثير من الأبناء والبنات الذين يشعرون بالمسؤولية تجاه أمهاتهم، وفي نفس الوقت يرغبون في الحفاظ على حدودهم الشخصية وحياتهم الخاصة.

بدايةً: من المهم أن نتذكر أن بر الوالدين هو من أعظم العبادات في الإسلام، وهو طريق للفوز برضا الله سبحانه وتعالى، قال الله في كتابه الكريم:(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَٰهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًۭا كَرِيمًۭا)،(سورة الإسراء: 23)، لكن في نفس الوقت، الإسلام يعترف بحاجات الإنسان النفسية، ويحث على وضع الحدود بطريقة تحفظ العلاقة دون الإضرار بصحته النفسية.

إليك بعض الخطوات التي قد تساعدك:

1. التفريق بين بر الوالدين وفرض الخصوصية، فبر الوالدين لا يعني أن تكوني مجبرة على مشاركة كل تفاصيل حياتك الخاصة إذا كان ذلك يشعرك بعدم الراحة، من حقك أن تحافظي على خصوصيتك، لكن من المهم أن تعبري عن ذلك بطريقة لطيفة وهادئة، على سبيل المثال، بدلًا من قول "أنا لا أحب أن أعرف خصوصيات الناس"، يمكنك أن تقولي: "أمي، أحبك وأقدر اهتمامك، ولكن بعض الأمور أشعر بالراحة إذا احتفظت بها لنفسي".

2. من الصعب أن تكوني في موقف الوسيط بين والديك، خاصةً إذا كان حديث أمك عن والدك يسبب لك ضيقًا، يمكنك أن تعبري عن مشاعرك بأسلوب لطيف، مثل: "أمي، أعلم أنك تحتاجين للتحدث عن مشاعرك، ولكن أحيانًا أشعر بالحزن عندما أسمع كلامًا عن أبي، ربما يمكننا الحديث عن أمور أخرى تريحك وتفرحك."

3. حاولي أن تكوني مستمعة جيدة لأمك بحب وتقدير عندما تشعر بالحاجة إلى التحدث، حتى وإن كان حديثها صعبًا عليك، يمكنك إظهار تقديرك لها بكلمات بسيطة مثل "أفهم ما تمرين به" أو "أقدّر أنك تثقين بي".

4. الرفق في الحديث والتواصل، الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه) رواه مسلم. حاولي أن ترفقي في كلامك معها، حتى عندما تتعرضين للضغط، الرد بلطف وحنان قد يخفف من حدة المواقف.

5. إذا شعرت أنك غير قادرة على التعامل مع الموقف بمفردك، فلا تترددي في طلب المساعدة من شخص مقرب تثقين به، سواء كان من الأسرة، أو من مستشار مختص، أحيانًا يكون للشخص الخارجي منظور مفيد.

في النهاية: تذكري أن العلاقة بين الأم وابنتها تحتاج إلى توازن بين الحب والاحترام، وبين حفظ الخصوصية، قد يستغرق الأمر بعض الوقت لتطوير هذا التوازن، ولكن بالصبر والدعاء، يمكنك الوصول إلى علاقة أكثر انسجامًا مع أمك.

وفقك الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً