الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر أن والدتي تقيد حريتي وتمنعني من الكثير من الأشياء، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر 30 سنة، مشكلتي أن والدتي تمنعني من الخروج إلى أي مكان بدون أن أوضح لها الأسباب، مع العلم أن أخواتي يخرجن ويخبرن والدتي بأن لديهن موعداً مع صديقاتهن، أو أنهن سيخرجن بعد العمل للتنزه مع زميلاتهن، والفرق بيني وبينهن 5 سنوات فقط.

أنا لا أمانع من استئذانها عند الخروج من المنزل، ولكنها ترفض كل شيء بدون سبب، حتى لو طلبت منها الإذن من أجل القيام بأعمال تطوعية، أو الذهاب لتعلم لغة جديدة، أو تعلم دروس الرسم فإنها ترفض، أشعر بأني سجينة، علمًا أني أساعدها في أمور المنزل؛ فأختي الكبيرة متزوجة، وأختي الثانية لديها مشاكل صحية، ولا تقوم بأعمال المنزل.

سؤالي: لو أخبرت والدتي أن لدي موعداً مع صديقاتي للتنزه، ورفضت والدتي خروجي معهن، فقلت لها: إن ذلك حق من حقوقي، ولم أهتم لرأيها، فهل يعتبر ذلك عقوقًا؟ وسؤالي ليس فقط في قضية الخروج من المنزل، ولكن في مختلف جوانب حياتي الشخصية، مثل: تهذيب شعري، أو اختيار تخصصي الجامعي، والجامعة التي انتسبت لها، وعملي، وكل شيء، أشعر أني عاملة وليس لي الحق في الاستمتاع بحياتي، وعليّ أن أنظف وأخدمها فقط.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يبدو أن وضعك مع والدتك يشكل تحديًا كبيرًا لك، خاصة مع رغبتك في أن يكون لديك بعض الحرية الشخصية، والقدرة على اتخاذ قراراتك بنفسك، دعينا أولاً نبدأ بتقديم بعض النصائح العامة، ثم نتطرق إلى مسألة العقوق:

- التواصل المفتوح والهادئ هو مفتاح حل العديد من المشكلات، حاولي التحدث مع والدتك بأسلوب هادئ ومتفهم، واشرحي لها مشاعرك واحتياجاتك بطريقة تظهر لها احترامك لها، ولكن وضحي بأنك تحتاجين إلى بعض الاستقلالية، ربما يمكنك إخبارها بأنك تشعرين بأنك مقيدة، وتحتاجين إلى أن تعيشي حياتك بشكل طبيعي، وذلك لن يؤثر على محبتك أو احترامك لها.

- ديننا يدعو إلى التوازن بين حقوق الوالدين وحقوق الأبناء، من واجبك طاعة والدتك في الأمور التي لا تضرك، ولكن من حقك أيضًا أن تعيشي حياتك وتطوري نفسك، ربما يكون هناك مجال لتقديم بعض التنازلات؛ بحيث يمكنك تحقيق بعضًا من حريتك الشخصية دون الشعور بأنك غير مطيعة.

- حاولي أن تحققي استقلالك بشكل تدريجي، ويمكنك البدء بالقيام بأنشطة خارج المنزل، أنشطة تعتبرها والدتك آمنة أو غير مقلقة، مثل: التطوع، أو حضور دروس تعليمية، ثم بناء الثقة بينها وبينك تدريجيًا.

- من المهم أن تشعري بأن الأمور في المنزل موزعة بشكل عادل، خصوصًا إذا كانت لديك مسؤوليات كبيرة بسبب وضع أخواتك، يمكنك التحدث مع والدتك حول كيفية توزيع الأعمال المنزلية، وتوزيعها بطريقة تكونين فيها قادرة على تخصيص بعض الوقت لنفسك بدون أن تشعري بأنك مظلومة.

هل يعتبر هذا عقوقًا؟
- من ناحية العقوق، يقول الله تعالى: {وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ} [الأعراف ٤٢]، واستنادًا إلى قاعدة (الوسع) في الشريعة، فإن ما يسعك تنفيذه بدون أن يتعارض مع تفويت مصلحة راجحة لك، أو وجود مفسدة تحصل لك، فإنه يجوز في هذه الحالة عدم استجابة كلام الوالدين أو أحدهما، طالما أن هذا لا يضره أو يضرها، أو يفوت عليهما مصلحة راجحة أيضًا، ما عدا ذلك يجب عليك تنفيذ طلب الوالدين أو أحدهما، لكن ينبغي دائمًا أن تكوني لطيفة ومحترمة في طريقة رفضك أو نقاشك مع والدتك.

- تذكري أن الإسلام يدعو إلى طاعة الوالدين، ولكن ليس بشكل مطلق في كل شيء، خاصة إذا كانت الطاعة تؤدي إلى ضرر حقيقي لك، أو تؤثر سلبًا على حياتك ومستقبلك، والمهم هو إتقان طريقة الحوار والإقناع للوالدين.

- لا شك أن الصبر والدعاء من أهم الأمور التي تساعد في مثل هذه الحالات، يمكنك دائمًا التوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن يلين قلب والدتك، وأن يرزقك الحكمة في التعامل معها.

أخيرًا: حاولي الوصول إلى حل وسط مع والدتك؛ حيث يمكنك ممارسة بعض حريتك الشخصية دون أن تسببي لها قلقًا كبيرًا، وإذا لم تستطيعيِ الوصول إلى هذا الحل، فربما تحتاجين إلى الاستعانة بشخص آخر تثق فيه والدتك يمكنه التوسط بينكما، من المهم أن تبقى علاقتك بوالدتك جيدة، مع مراعاة حقوقك الشخصية، والبحث عن توازن يمكن أن يرضي الطرفين.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً