الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أطهر قلبي وأتوب إلى الله توبة نصوحاً، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبلغ من العمر ٢٦ عاماً، ومشكلتي هي أني في كرب عظيم، لازمني منذ سنوات، وللأسف بدل التضرع إلى الله انهمكت في المعاصي، وابتعدت عن الله تعالى؛ وأي فعل أسوأ من هذا؟!

لا شك أني أبعد الناس عن التوفيق، وهذا ما حدث، لكن الله تعالى برحمته أمهلني، وتفضل علي، ورزقني الكثير، بفضله ورحمته.

علماً أني -بفضل الله- تبت، وأحاول إصلاح حياتي كلها تدريجياً، لكن كما قيل: الفرج لحظة يتطهر بها القلب من تعلقه بالأسباب، وييأس من كل شيء إلا من رحمة الله.

صرت أفكر في الانتحار، لأني أشعر أن تلك اللحظة لن تأتي، ولا أقصد أن أشكو قدر الله لعباده، بسبب عظم ذنوبي، وأنا فعلاً مذنب، ولا أستحق ذلك، فما توجيهكم؟ وكيف تُستَدَرُّ رحمة الله؟

لقد فرج الله عني برحمته الكثير من الكربات عدة مرات مررت بها، ولم يكن منها مخرج أبداً، لكن لم تكن علي الذنوب التي أحملها الآن.

ما رأيكم؟ جزاكم الله خيراً؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يفرج همك ويهديك الطريق المستقيم، وأن يرزقك الثبات والتوبة النصوح.

من المهم أن ندرك أن الله تعالى أرحم بعباده من أنفسهم، وأن رحمته وسعت كل شيء، ومن رحمة الله تعالى أنه يقبل التوبة عن عباده مهما عظمت ذنوبهم، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).

التوبة النصوح تتطلب ثلاث خطوات أساسية:
1. الندم على المعصية، أي الشعور الصادق بالحزن والندم على ما فات.
2. الإقلاع عن الذنب، وهو التوقف الفوري عن المعصية.
3. العزم على عدم العودة إليها، بمعنى اتخاذ قرار جازم بعدم العودة إلى المعاصي.

ما تشعر به من كرب وضيق ربما يكون ابتلاءً لتمحيص إيمانك وتزكية نفسك، وهو فرصة للتوبة والعودة الصادقة إلى الله، وإذا شعرت بالضيق أو الإحباط، فلا تجعل الشيطان يستغل هذه اللحظات ليقنعك بأن الله لن يغفر لك، أو أن التوبة غير مقبولة، فالتوبة الصادقة تفتح أبواب الرحمة والفرج.

قنوطك من التوبة؛ ربما يوقعك في معصية أعظم من المعصية التي ارتكبتها وتريد التوبة منها، كما في قوله: ﴿یَـٰبَنِیَّ ٱذۡهَبُوا۟ فَتَحَسَّسُوا۟ مِن یُوسُفَ وَأَخِیهِ وَلَا تَا۟یۡـَٔسُوا۟ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا یَا۟یۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ﴾ [يوسف ٨٧].

فيما يتعلق بفكرة الانتحار، من الضروري أن تدرك أنها ليست حلاً لأي مشكلة، بل هي فعل محرم شرعاً، وله عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، فالحياة أمانة من الله، ولا يحق لنا أن نتصرف فيها إلا وفق ما يرضي الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بشيء عُذِّب به في نار جهنم) (متفق عليه).

أما استدرار رحمة الله، فيكون بالتوبة، والتضرع، والدعاء، والصبر على البلاء، والاعتماد على الله وحده، والإكثار من الاستغفار، فذكر الله تعالى، وخاصة في الأوقات التي يكون فيها القلب خاشعاً، يعين على جلب الطمأنينة، قال تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28).

لا تيأس من روح الله، واجعل الأمل برحمة الله تعالى في قلبك دائمًا، قم بالتواصل مع من تثق به من العلماء أو المستشارين النفسيين المسلمين للمزيد من الدعم والإرشاد، والله تعالى كريم ورحيم، ولن يخيب عبدًا لجأ إليه بصدق.

نسأل الله أن يفرج همك، ويرزقك السكينة والطمأنينة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً