الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلما دخلت في علاقة خرجت مكسورة القلب، فَبِمَ تنصحونني؟

السؤال

السلام عليكم.

عندما أحب شخصًا أجد مبادلةً للشعور، ويبدأ الكلام في الزواج، ثم ينقلب الطرف الآخر تمامًا، ويكسر قلبي بمنتهى القسوة، ودائمًا ما يحصل معي ذلك، وبنفس الطريقة، مع العلم أنهم يعتبرون من طائفة الملتزمين دينيًا بين الناس.

مررت بثلاثة تجارب، واحتجت لسنوات لأخرج من تلك التجارب، ولكن آخر تجربة كانت أقساها، وكنت أتحرى أوقات الإجابة فأدعو وأنا أبكي، حتى أصبحت لا أعلم هل ما مررت به كان عقابًا من الله أم ابتلاءً؟

لم أعد أتحمل، وأخشى أن أفقد صبري، وتحملي، وأقنط، فماذا أفعل؟ أريد فقط أن أتزوج بمن أريده، فبم أدعو، وماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يفرج همك، ويكتب لك الخير.

ما تمرين به ليس بالأمر السهل، والآلام التي تعيشينها قد تكون امتحانًا لإيمانك وصبرك.

دعينا نقدم لك بعض النصائح المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي، وكذلك من التجارب النفسية:

- الابتلاء قد يكون علامةً على محبة الله للعبد؛ حيث جاء في الحديث: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط".

- كما أن الابتلاء يطهر الإنسان، ويزيد من حسناته إذا ما صبر واحتسب، ويجعلك أكثر قوة وحكمة.

- قد يكون من المهم أن تقومي بمراجعة نفسك، وتقييم العلاقات السابقة؛ هل كانت هناك علامات تحذيرية لم تنتبهي إليها؟ هل كان هناك سلوك معين منكِ أو من الطرف الآخر قد أثر على سير العلاقة؟ فمراجعة الماضي يمكن أن تعطيك فكرةً عن الأمور التي يجب تجنبها في المستقبل.

- الأساس في العلاقات ألا تكون هنالك علاقة بين ذكر وأنثى بغير رباط شرعي، حتى لو كان القصد منها الزواج، لذلك نظم الإسلام هذه العملية بموضوع الخطبة التي تسبق الزواج، حيث يكون هناك تعارف حقيقي وعلى مرأى ومسمع من الأهل. وهذه العلاقات لا خير فيها، لأنها تتم في الخفاء، وقد يحدث فيها ما لا يرضي الله تعالى، وإن لم يحدث شيء من ذلك، فالعلاقة من الأساس قائمة على غير رضا الله، ولذلك تنتج مثل هذه الآثار السيئة والصعبة على النفس، لأن الأساس من البداية لم يكن صحيحًا، فنرجو أن تأخذي العظة والعبرة من ذلك.

نحن نقدر حرصك على إعفاف نفسك، ونيتك الطيبة في الزواج، لكن لا تفترضي أن الناس كلهم يبادلونك نفس الطيبة، فهناك ذئاب قد تتستر أحيانًا تحت عباءة الالتزام والتدين، والعبرة هنا هو بالتزام الأحكام الشرعية، والوقوف عند حدود الله تعالى، وليست العبرة بشكل الشخص الذي أمامك؛ لذلك قال الله تعالى: ﴿ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰ⁠تِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ وَمَن یَتَّبِعۡ خُطُوَ ٰ⁠تِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَإِنَّهُۥ یَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدࣰا وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُزَكِّی مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ﴾ [النور ٢١].

- في حال ظهور أي شاب جديد في حياتك، فيجب أن يكون التعرف إليه بطريقة رسمية (أي الخطبة)، وعدم التواصل على الخاص، حتى وإن حصل تواصل خاص، فلا ينبغي أن تنجروا إلى مسائل غرامية ونحوها، ويكفي فقط السؤال عن الأمور الأساسية كتاريخه العائلي، ومعرفة أحواله المادية، وطريقة تعاطيه مع الأمور للتعرف إلى شخصيته، وبعدها يتم إقفال الموضوع لحين البت في إمكانية الزواج من عدمه.

- اذهبي إلى مراكز تحفيظ القرآن الكريم، وحلقات الدروس والمحاضرات الدينية، وتطوعي في الأعمال الخيرية، ووسعي علاقاتك بالداعيات والفتيات الملتزمات، فالكثير منهن لديهن إخوة وأقارب يبحثون عن زوجات صالحات، والعديد من الفتيات تزوجن بهذه الطريقة.

- استخيري الله عند تقدم أي شخص للزواج منك؛ فصلاة الاستخارة تُبين لك الطريق، وتريح قلبك إذا كان الأمر خيرًا أو شرًا.

- حاولي أن تبقي متفائلةً بمستقبل أفضل؛ فالدنيا دار اختبار، وليست دار جزاء، والله سبحانه وتعالى يدبر الأمور بحكمة وعلم.

- تعاهدي نفسك بالقيام بعباداتك بصدق وتضرع، ولا تجعلي الشيطان يدخل اليأس إلى قلبك؛ قال تعالى: "فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا".

- تجاربك السابقة لا تعني أن كل من يحمل صفات الالتزام الديني سيكون كذلك؛ فمن الممكن أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مناسبين لك، ولكن هذا لا يعني أنك لن تجدين شخصًا يتوافق معك في المستقبل.

- لا تجعلي هذه التجارب تؤثر سلبًا على حياتك أو نظرتك لذاتك، اعتني بنفسك، وبثقتك بالله، وستجدين من يستحقك.

- واصلي الدعاء، ولا تيأسي أبدًا، فالله -سبحانه- قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ولكن قد تتأخر الإجابة لحكمة يعلمها الله، جاء في الحديث الشريف: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها".

عليك بالصبر، والثقة بأن الله سيعوضك خيرًا عما مضى، وأن ما مررتِ به هو جزء من قصة حياتك التي سيكملها الله بما فيه الخير لك.

يسر الله أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً