الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي يضغط عليّ ولا يكترث لظروفي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم
لدي مشكل اجتماعي يخص تعامل أخي معي، والذي أراه متحكماً بشكل مفرط في حياتي الخاصة!

أبلغ من العمر 34 سنة، وأمر بظروف نفسية مجهدة وجسدية كذلك؛ جعلتني ألتجئ للألعاب، ولدي صديقة أتواصل معها عن بعد، وأمضي معها معظم وقتي؛ لأني منعزلة تماماً، وليس لدي أصدقاء، لكن أخي يرفض هذا الشيء، وأخبرني أني أصبحت مدمنة، ولا أعطي وقتاً للعائلة أو الأشغال، وهو يعلم بحالة الاكتئاب والمرض الجسدي التي جعلتني شبه مقعدة، حيث إني لا أقدر حتى على الطبخ في غالب الأحيان!

والآن المصدر الوحيد الذي أحس فيه بالراحة هو الإنترنت، ولكنه يرفض ذلك تماماً، وأمرني بمسح اللعبة، وألا أتكلم مع تلك الصديقة! ويتخاصم معي بشكل يومي، ويحرض أبي؛ إذ أخبرني هو الآخر أن أمتثل للأمر الواقع، وأن أفعل ما يريد أخي بدون مشاكل؛ فالأمر سهل كما يقول.

وأنا الآن أحس بضغط كبير! وأصبحت أكره أخي شيئاً فشيئاً، علماً أنها ليست أول مرة يتحكم فيها بمشاغلي! وظروفي الجسمية لا تسمح لي حتى بالخروج أو الاشتغال كي ألتهي، وكلما رفضت طلبه، وحاولت إفهامه بظروفي لا يكترث أبداً! ويقول: إن تلك اللعبة، وتلك الصديقة سيبقيان مصدرًا للمشاكل، وسيكونان سبب فراق العائلة! ويهدد بترك المنزل إن لم أفعل ما يطلب، فماذا أفعل؟

أنا مجهدة، وأفكر سلبياً، ولم أعد مقبلة على الحياة، ولا أفكر حتى في العلاج، بل أتمنى الموت أحياناً، لكي أرتاح من هذا الضغط المستمر والتحكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شيماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك -ابنتنا وأختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والتواصل والسؤال، ونسأل الله أن يشغلنا جميعًا لما خلقنا له الكريم الكبير المتعال، القائل: {وما خلقتُ الجنّ والإنس إلَّا ليعبدونِ}، فنسأله -تبارك وتعالى- أن يُعيننا على ذكره وشُكره وحُسن عبادته، وأن يُعيننا على الخير كله، وأن يستخدمنا فيما يُرضيه، وأن يُعيننا على حفظ أوقاتنا والتقرُّب إليه، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

لا شك أن الإنسان بحاجة إلى شيءٍ من اللعب والترفيه، ولكن كلُّ ذلك ينبغي أن يكون بمقدار ما يُعطى الطّعام من الملح، فنحن لم نُخلق للهو واللعب وتضييع الوقت، ولكن خُلقنا لغاياتٍ عظيمة؛ ولذلك نتمنّى أن تنجحي في أن تشغلي نفسك بطاعة الله وبما يُرضيه، واعلمي أن الذي يُذهب الاكتئاب والأحزان هو المواظبة على ذكر الله، وهي من أيسر العبادات، فالإنسان يشغل لسانه وقلبه بذكر الله، ويشغل نفسه وقلبه بتلاوة كتاب الله تبارك وتعالى.

ثم من المهم أن تنظمي وقتك، ولا مانع أن يكون هناك وقتٌ للصديقة، ووقتٌ للعائلة، وهذا مهمّ، كما قال سلمان وصدّقه النبي (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ ‌لِرَبِّكَ ‌عَلَيْكَ ‌حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ». رعاية هذه الحقوق، تعني الموازنة في تقسيم هذه الأمور المهمة، وتجلب السعادة والطمأنينة.

وحقيقةً نحن لا نستطيع أن نُؤيّد الأخ، ولا نستطيع أن نرفض ما يقوم به كليةً؛ لأن الأمر يحتاج إلى تنظيم، إذا زاد الأمر عن حدِّه فإنه ينقلبُ إلى ضدِّه، ولذلك نتمنَّى أن يكون في الأمر اعتدال، بحيث يكون هناك أوقاتٌ للراحة، وأوقاتٌ للعائلة، وقبل ذلك أوقاتٌ للعبادة والإنابة والذِّكر، وأوقاتٌ للتواصل مع الصديقة، وأوقاتٌ حُرّة تستفيدين فيها من تطوير نفسك في بعض المهارات النافعة المفيدة.

فإذًا الاعتدال هو المطلوب، والوسطية في كل شيءٍ هي الأمر الحسن، وما خير النبي (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين إلا ‌اختار ‌أيسرهما، وأعتقد أن الأمر -كما أشرت- إلى أنك تقضين معظم الوقت مع تلك الصديقة؛ فإن هذا لا يمكن أن يُقبل، وليس في هذا مصلحة، وهذه الأجهزة والتواصل بهذه الألعاب حوّل الكثير من أبناء المسلمين وبناتهم إلى مُعاقين، منعزلين عن أُسرهم، مُقصّرين في واجباتهم الكبرى، والتي منها الطاعة لله، وبرّ الوالدين، وأداء الوظائف الأساسية التي ينبغي للإنسان أن ينتبه لها، وأن يحرص على القيام بها في حياته.

وعليه: أرجو ألَّا تكرهي هذا الأخ، وأن تطلبي مساعدته، وأن تجتهدي في أن توازني بين حقوقك الخاصة، وبين الحقوق التي هي للعائلة، وإذا كان الوالد يُؤيِّدُ هذا الأخ فبرّ الوالد هنا مطلوب؛ لذلك أرجو أن يحدث التوازن في حياتك، وتوزّعي الأوقات في الجوانب المهمّة في حياتك، وكوني على الجادة، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

وإذا كان هناك فرصة للعلاج والذهاب للأطباء فهذا أيضًا مطلب، ونرفض أيضًا أن يكون هذا سبباً لتمنّي الموت أو التفكير في أمورٍ سلبية، واعلمي أن حياتك غالية، وأن الإنسان ينبغي أن يُعمّر لما خُلق لأجله، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لَا تَزُول ‌قَدَمَا ‌عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ»، وقال (صلى الله عليه وسلم): «اغْتَنِمْ ‌خَمْسًا ‌قَبْلَ ‌خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ».

فاغتنمي شبابك فيما يفيد في أمر دينك ودنياك وآخرتك، واغتنمي فراغك قبل أن تُشغلي، واغتنمي صحتك قبل مرضك، واغتنمي حياتك قبل موتك، واعلمي أن الراحة في الآخرة إنما تقوم على طاعتنا لربّنا في الدنيا، فنسأل الله أن يشغلنا بما خلقنا لأجله، وأن يُعيننا جميعًا على ذكره وشُكره وحُسن عبادته.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً