الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رغم بذل الأسباب تراجع مستواي الدراسي.. فما توجيهكم لي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله
أنا طالبة في السنة الدراسية الأخيرة، وعليّ اجتياز الامتحانات الدولية، والحصول على معدل عال في الأيام القادمة.

كانت هذه السنة عسيرة بشكل كبير أكاديميًا؛ حيث هبط معدلي لما يقارب عشرين علامة؛ مقارنة بسنتي السابقة، رغم بذلي لمجهود كبير، وسعيي بكل أمل وتوكل للحصول على علامة عالية، أجد نفسي بعد كل امتحان قد حصلت على علامة بين الجيد وحافة النجاح.

سعيت دينياً بشكل كبير، أتممت حفظ كتاب الله في هذا العام، أقلعت عن سماع الأغاني، وحذفت مواقع التواصل كلها لأضمن ألا تكسب جوارحي الذنوب، عدا تطبيقاً واحدًا أقوم بالتواصل به مع أهلي، وأضمن أني لن ألتهي به.

أنا الآن في رحلة توبة من ذنب عسى أن يتوب ربي علي، ويغفر لي ما اقترفته نفسي.

سؤالي: هل ما أمر به دنيوياً من الناحية الأكاديمية ابتلاء؟ وهل هو تكفير للذنب؟ لأنني في مرحلة ضياع كبيرة وقلق مستمر، حول عملي الذي لا أرى ثماره البتة!

أعلم أن عليّ الصبر، ولكنني الآن في مرحلة مفصلية من حياتي، ولا أود للعلامات أن تؤثر على حياتي ككل، بكيت كثيراً، وفكرت كثيراً، ولم أجد من أبث له همي، ولا أود أن أقلق أهلي بأمري!

ثقتي بنفسي الآن مهزوزة بشكل كبير، وأحس أني فاشلة في كل شيء، عندما أمعن في نفسي النظر أجد أن عندي عيوباً كثيرة، وأنني ربما لا أستحق أن أنال ما أحلم به، فما عساي أن أفعل؟!

أكتب هذه الرسالة بعدما صليت ركعتي قضاء حاجة، وأتمنى ممن يقرأها أن يدعو لي بالثبات ورضا الله عني.

جزيتم الجنة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / تولين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعنا إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يثبتك على الطاعة، وأن يرزقك الاستقامة، وأن يصرف عنك شر كل ذي شر؛ إنه جواد كريم، وبخصوص ما تفضلت به من استشارة:

فأولاً: إننا نحمد الله تعالى على هذه العودة إلى الله، وعلى إتمامك حفظ القرآن، وتركك سماع الأغاني، وعلى المحافظة على تدينك، وهذا -يا ابنتي- هو أعظم المكاسب لك، فلا يجب عليك أن تضطربي أو تقلقي، بل يجب عليك أن تفرحي، وأن تفخري بنفسك على ما وصلت إليه من إتمام لحفظ كتاب الله، وإننا نطمع أن تفوزي بما أعده الله للحفظة، فهل تعلمين أختنا فضل ذلك؟

لقد اختصَّ الله تعالى حافظ القرآن بخصائص ليست لغيره ومنها:
1- أن منزلته في الآخرة عند آخر آية كان يحفظها: فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها).
ومعنى القراءة هنا: الحفظ.

2- أنه يكون مع الملائكة رفيقاً لهم في منازلهم: فعن عائشة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران) رواه البخاري.

3- أنه يُلبس تاج الكرامة وحلة الكرامة: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حلِّه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زِدْه ، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه).

4-أنه يَشفع فيه القرآن عند ربِّه: فعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين -البقرة وسورة آل عمران-؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة). قال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة.

5- ويلحق هذا الفضل أهله كذلك، فقد ورد الدليل في والديه أنهما يكسيان حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، وما ذلك إلا لرعايتهما وتعليمهما ولدهما، وحتى لو كانا جاهليْن فإن الله يكرمهما بولدهما، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنتُ أُسهر ليلك وأظمئ هواجرك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر، فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويُكسى والداه حلَّتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب أنى لنا هذا؟ فيقال لهما: بتعليم ولدكما القرآن).

هذا بعض ما لحفظ القرآن وأهله، وإنما ذكرناه لك حتى تستبشري ولا تحزني، ويكون ذلك دافعاً لك إلى الأمام.

أختنا الكريمة: ما حدث معك من معدل، سواء كان ابتلاءً أم تكفير ذنب فأنت في الحالتين مأجورة، فلا تتوقفي عند هذه النقطة كثيراً، وافعلي ما يلي:

1- لا تخبري أهلك بشيء، ولا تطلبي منهم إلا الدعاء.
2- التوقف عن طلب العلم الشرعي الآن، أو أي برامج دعوية تأخذك من واجب الوقت وهو المذاكرة.
3- تجنب القلق أو الاضطراب، والإيمان بأن ما قدره الله كائن، وهو الخير لك، واحرصي على المذاكرة بتمعن.
4- اعتمدي على المذاكرة بطريقة السؤال والجواب المرحلي؛ فهي أثبت طريقة وأفضلها، وطريقتها كالآتي: أن تقرئي الفصل أو المبحث أو الفقرة، ثم تضعي سؤالاً على كل فكرة كلما مررت عليها، ثم اغلقي الكتاب، وأجيبي عن ما كتبت من أسئلة في ورقة منفصلة عن الأسئلة، ثم قارني بين إجابتك والكتاب، ثم اذهبي للفصل الآخر، وعند الانتهاء من الكتاب سيكون عندك مرجع ضخم من الأسئلة، هو النواة للمذاكرة والتثبيت.

وأخيراً أختنا الكريمة: لا يغلبنك الشيطان ولا يحزنك، فما أنجزته من خير أمر هائل، فاحمدي الله عليه، واستعيني على المذاكرة بأخذ الأسباب كلها، ثم الدعاء، وثقي أن الله سيجبر كسرك بأمر الله.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً