الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بكره تجاه والدي لسوء معاملته، فهل سيعاقبني الله؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا أكره والدي بشدة، والسبب أنه كان متزوجًا، توفيت زوجته الأولى وله منها ولدان و3 بنات، وبعد وفاتها بمدة قصيرة تزوج أمي وأنجبتني، منذ صغري وأولاده يفعلون كل شيء من أجل إزعاجي خصوصًا البنات كانوا يملؤون رأس الولدين علي، فيضربونني، ويشتمونني ووصل بهم الأمر لضرب أمي، ومع ذلك لم يحرك ساكنًا ويدافع عنا، بل على العكس أحيانًا هو من يضربنا حتى ولو كانت بناته من افتعلن المشكلة.

وجدت أمي فيما مضى سحرًا في البيت عدة مرات ولم يفعل شيئًا، وهو بخيل لدرجة لا توصف، حتى أنه لا يهتم لمرضنا، وعندما أطلب منه مالاً لاحتياجاتنا ينكر أن لديه مالاً، مع أنني أراه يخبئه.

عندما كنت أدرس أمي أنهكت نفسها عند الناس في الخدمة لكي توفر متطلباتي، واستلفت المال من أمها وإخوتها لكي تدرسني، وهو لا يهتم.

حاليًا أنا لا أملك وظيفة، ولدي مدخول صغير منحة قدمتها الدولة للمتخرجين، أحاول أن أسدد منها الدين المتراكم من دراستي، وتوفير بعض احتياجاتي أنا وأمي، ولكنه لا يكفي لشيء، حتى إنه عندما علم بهذا المدخول أصبح لا يهتم أكثر من السابق.

كما أن بيتنا يكاد يسقط فوق رؤوسنا من التشققات في الجدران، وعندما أقول له: أصلحها لا يهتم، ويصفني بأنني قليلة التربية ولا أحترمه؛ فقط لأنني أقول ما لا يحبه.

لا أخفيكم أنني أنفعل أحيانًا، ولكني لا أعصيه ولا أفعل ما يغضبه باستثناء طلب المال أو طلب إصلاح البيت، أو أشياء من هذا القبيل، فهو يغضب ويدعو علي، ويطردنا.

لا أعرف ماذا أفعل، أخاف أن أكون قد عصيته عندما كرهته، وأرد عليه، وأخاف عقاب الله، ولكن ليس بيدي، فهو لم يحن ويعطف علينا أبدًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم البر الرحيم أن يصلح حال والدك، وأن يؤلف بين قلوبكم، وأن يجعلك من البارين بهما، إنه جواد كريم

أولاً: نحن نتفهم حديثك وما أصابك من هم وغم، ونتفهم كذلك دور الشيطان المتربص بالبيت كله، واستغلال كل خطأ أو سلوك غير جيد لتضخيمه، ومن ثم البناء عليه، لكن مع كل ما مضى ذكره وتفهمنا لما ذكرتِه إلا أننا نعترض على تلفظك بكرهه، فهذا ما لا ينبغي أن يكون بين البنت وأبيها وحتى لو أخطأ الوالد لا يصح منها أن ترد الإساءة بمثلها.

ثانيًا: أختنا الكريمة: هناك قاعدة فطرية محكمة لا تختلف ولا تتغير، ولا يملك حتى من أراد تبديلها أن يبدلها، وهي فطرة الأبوة التي فطر الله الأب عليها.

أختنا الكريمة: أبوك يحبك، وحبه لك فطرة لا يمكن جحدها كما لا يمكن تبديلها، وهذا لا يعني عصمة الوالدين من الخطأ، بل يعني عدم تعمد إيذاء الآباء للأبناء، هذا غير وارد، ولكن الخطأ في التقدير موجود وقائم، لكن الذي يستحيل وجوده تقصد الوالد إيذاء ولده.

ثالثًا: الله أوجب على الأبناء طاعة الآباء في غير معصية الله، ونكرر أن هذه الطاعة ليست مقابل نفقته أو إحسانه إليهم؛ بل لأنه أبوهم وإن أساء وظلم، وقد نبه القرآن إلى أن المصاحبة لهم بالمعروف حتم واجب، وإن جاهداه على الشرك وطلبا منه الكفر بالله تعالى ساعتها لا يجب عليه طاعتهما، ولكن يجب برهما والإحسان إليهما، قال تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

وسُئل الحسن البصريّ عن تعريفه لبرِّ الوالدين، فقال: أنْ يبذل الابن لهُما كُلَّ ما يملك، ويُطيعُهما بجميع ما يأمرانه به، إلَّا أن يكون في معصية الله تعالى.

رابعًا: نفقتك واجبة على أبيك، ولا حرج عليك في طلب ما شئت منه مما يقدر عليه، وليس هذا في حد ذاته عقوقًا، بل قد يأتي العقوق من طريقة الطلب، لذا احرصي -أختنا- عند الطلب على أمرين:
- اختيار الوقت المناسب.
- التأكد من نفسية الوالد عند الحديث معه.

خامسًا: مسألة الإساءة إليك وإلى والدتك وما يحدث بين الأولاد هو أمر تتفاوت فيه النظرة، وقد تكون أخواتك يشتكين مما تشتكين منه، فكل ينظر إلى نفسه وفق قناعته، وقد تكون صحيحة، وقد تكون خطأ، لكن التفاوت في النظرة قائم، ولسنا هنا بصدد التحقيق ولكن لنقول لك: ما مضى قد مضى بخيره وشره، وهذا أبوك وبره واجب، فاتركي -أختنا- تلك النظرة الماضية، واعمدي إلى تحسين علاقتك بوالدك طاعة لله أولاً، وبرًا به ثانيًا، وستجدين أثر هذه الصلة في حياتك وآخرتك.

سادسًا: مسألة السحر كذلك لا نستطيع أن نحكم، هل هو سحر أم لا؟ ولو كان سحرًا هل هم من فعلوه أم لا؟ والكلام في هذا ظن، لكن اليقين أن من حافظ على الرقية الشرعية، وأذكار الصباح والمساء لن يصيبه ذلك ولو اجتمع عليه أهل الأرض إلا بإذن الله تعالى، وعليه فحافظوا على الأذكار، وقراءة سورة البقرة في البيت كل ليلة أو الاستماع لها، مع التحصن بالله عز وجل فإن هذه تكفيكم.

وأخيرًا: أمك لها حق عليك كبير، خاصة وقد بذلت في تعليمك ومساندتك الشيء الكثير، فالله الله في برها وصلتها والإحسان إليها، مع تحفيزها على الاهتمام بوالدك، وذكريها بالأمور الإيجابية في الوالد، وعدم تضخيم سلبياته حتى لا تكون فريسة للشيطان، نسأل الله لكم السلامة.

وأخيرًا: إننا ننصحك أختنا بالدعاء للوالد، والحديث معه، والإحسان إليه، افعلي ما عليك تجاهه براً به وطاعة لله، واطلبي منه ما تحتاجين وفق قدرته وحاجاتك بلين القول والأسلوب الحسن، وليس في هذا عقوق، المهم تفهم ما يلي:

- الأخطاء قائمة في كل بيت، والتعامل معها هو ما يميز العاقل عن غيره.
- تضخيم الشيطان للمشاكل وجعلها أعظم مما كانت وسيلة الشيطان للإفساد.
- غياب البعد الديني مضر جدًا.
- التقصير في محاولة فهم الوالد والتودد له أمر سلبي يباعد بين القلوب.

فانتبهي -أختنا- لذلك، وإنا نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً