الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابتليت بالقمار وأفكر في فسخ الخطبة بسبب ظروفي المادية!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب خاطب منذ فترة قصيرة، ومقبل على الزواج، وابتليت بتطبيقات القمار منذ فترة يسيرة، وانبهرت بمكاسبها في البداية، ولكني خسرت مبلغاً كبيراً من المال فيها، ظروفي المالية ضعيفة، ولا أعرف ماذا أعمل! لقد خسرت مبلغاً أنا أحوج لجنيهٍ واحد منه، وحالتي النفسية سيئة جداً، ولا أجد حلاً لما أنا فيه.

فكرت في فسخ الخطوبة، حيث إني في ورطة كبيرة، ولكني أخاف من عقاب الله لي، لأني سأظلم شخصاً ليس له ذنب في ما أنا فيه، أريد حلاً حتى لا أصاب بالجنون.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مجهول حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك – ولدنا الحبيب – في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله تعالى أن يعوض عليك ما فقدته من المال، ولعلَّ ما قدّره الله تعالى عليك من المصيبة خيرٌ لك لتأديبك وإرجاعك عن طريق الضلالة إلى طريق الهدى والصلاح والاستقامة.

إن القِمار مُحرَّم، وقد جاءت نصوص كثيرة بتحريمه، منها في القرآن الكريم، ومنها في أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فالقرآن سمَّاه الميسر، وقرَنه بالخمر، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ ‌فَكَأَنَّمَا ‌صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ)، ذلك لِمَا فيه أيضًا من القِمار والغرر.

اعلم – أيها الحبيب – أن الله سبحانه وتعالى لطيفٌ بعباده، فربما قدّر لك هذه المصيبة حتى لا تتمادى وتستمر في هذا الطريق المظلم الموحش، فينبغي لك أن تتفكّر في أمرك من جميع جوانبه، فتنظر إلى الجوانب الإيجابية في هذه المصيبة، فإن نظرك هذا هو الذي يبعث في نفسك الأمل، ويطرد عن قلبك اليأس والحزن، وهذا أمرٌ قد قدّره الله تعالى عليك.

ينبغي أن تكون عاقلاً في مداواة حالتك، فوقوع الخسارة منك ليست هي نهاية التاريخ، ولا هي نهاية حياتك، فلا تزال أبواب الخير مفتوحة أمامك، فاطلب رزق الله الحلال، وستصل إليه بعون الله، وإذا علم الله تعالى منك صدق النية والعزيمة الصادقة والتوبة النصوح فإنه سبحانه وتعالى قادر على أن يُخلف عليك خيرًا ممَّا فقدت، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا} [الأنفال: 70].

أظْهِرْ وأرِ ربك من نفسك خيرًا، بالاستقامة، بالتقوى، بأن تفعل ما أمرك الله وتجتنب ما نهاك عنه، واعلم جيدًا أن تقوى الله تعالى من أعظم الأسباب لتيسير الأمور وتسهيل الأرزاق، فقد وعد الله ووعده لا يتخلّف فقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3]، وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4].

أكثر من الاستغفار والتوبة، فإن الاستغفار سبب للقوة البدنية والمالية، وقد أخبرنا القرآن الكريم بهذه المعاني الجليلة، قال نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12]، وقال هود عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52].

هذا هو الحل – أيها الحبيب – ليس الحل أن تستسلم لهذه المصيبة التي وقعت بك، ولا أن تأسرك الأحزان والآلام والمخاوف من المستقبل فتُعطّلك عن العمل والإنتاج والسعي، فباب الله مفتوح، وأرزاق الله واسعة، خزائنه ويَدُه مَلْأَى، لا تَغِيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ والنَّهارَ.

أحسن ظنّك بربك، واطلب رزقك بالأسباب المباحة، وستصل إلى ما قدّره الله سبحانه وتعالى لك، واعلم دائمًا أن ما يُقدّره الله تعالى لك هو الخير، فإنه لطيفٌ بك، رحيمٌ بك، أرحم بك من نفسك، فقد قال: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [الشورى: 19]، وقال سبحانه: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

أمَّا فسخ الخطوبة فلا نرى أن ما حصل لك يدعو إلى ذلك كله، ومخطوبتك قد تُفضّل السفر لك لطلب الرزق مثلاً، على فسخ الخطبة، لكن إذا طالبوك بفسخ الخطبة فاعلم أن ذلك ليس فيه أي ظلم، وسيُخلف الله تعالى عليك كل شيءٍ فاتك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُقدّر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً