الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بأن الله غاضب عليّ بسبب رجوعي للمعاصي، فماذا أفعل؟

السؤال

الحمد لله أنا ملتزمة بالصلوات والسنن، لكن في بعض الأوقات أعصي الله وأتوب، وبعد فترة أرجع للذنوب مرة أخرى، أحاول المداومة على قراءة القرآن، وقيام الليل، لكن لم أقدر! أشعر بقلة البركة في يومي، وأنا مقبلة على امتحانات الثانوية العامة، وأنا أحاول الدراسة، لكن لا أقدر، أشعر أن الله غاضب علي!

أنا أحمل همين في قلبي، الأول: أن الله غاضب علي ولا يحبني؛ ففي كل مرة أقول إني لن أعود للذنوب، ولكن أعود، وليس لدي القدرة على الابتعاد عن الموبايل؛ لأن كل دراستي أونلاين.

والهم الثاني هم دراستي: أنا طوال حياتي طالبة مجتهدة، ومن الأوائل، وحلمي أن أكون الأولى على الثانوية العامة، كنت متأكدة في بداية السنة أني أستطيع تحقيقه، ولكن الآن لست متأكدة، أشعر وكأن جبلاً على قلبي! صليت صلاة التوبة، واستغفرت كثيرًا، ومع ذلك أشعر أن الله لا يقبل توبتي.

أرجوكم أفيدوني، أشعر أنه لا توفيق في حياتي.

ملاحظة: علاقتي مع أهلي جيدة جدًا، لكني لا أحكي لهم عن حالتي، بل أبتسم في وجوههم طوال اليوم حتى لا أسبب لهم القلق، وهذا يرهقني، كما أني أخرج صدقات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك - ابنتنا العزيزة - في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يُبلّغك آمالك التي فيها رضاه.

ثانيًا: نهنئُك - ابنتنا العزيزة - بما تفضّل الله سبحانه وتعالى به عليك، من الرغبة في التوبة والحرص عليها، وهذا فضلٌ عظيمٌ مَنَّ اللهُ به تعالى عليك، فقابلي هذا الفضل بالشكر، واعلمي أن شُكر الله تعالى على نعمه سببٌ للزيادة، فقد قال الله في كتابه: {لئن شكرتم لأزيدنكم}، ومن شُكر هذه النعمة - أيتها البنت الكريمة - أن تُحافظي على هذه التوبة.

والتوبة باختصار تعني أن الإنسان يندم على فعله المعصية، ويعزم في قلبه أنه لن يرجع إليها في المستقبل، ويُقلع عنها في الوقت الحاضر، فإذا فعل هذه الأمور الثلاثة فإن الله تعالى يقبل توبته، وقد قال في كتابه الكريم: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}، وقال سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}.

بل وأخبر سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أنه يُبدّل سيئات التائب حسنات فقال: {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يُبدّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا}، وأخبرنا بأنه {يحب التوابين ويحب المتطهرين}، وأخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقال: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ ‌حِينَ ‌يَتُوبُ إِلَيْهِ)، وقال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ‌‌ ‌يَفْرَحُ ‌بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا)، والله تعالى أمرنا بالتوبة ليكون لنا الفلاح في الدنيا والآخرة فقال: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.

والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدًّا؛ فهذا كله من فضل الله ولطفه وبِرّه ورحمته، فلنقابل هذا الفضل والبر والرحمة بالتودُّد إلى الله تعالى، والتقرُّب إليه بقدر استطاعتنا.

ونصيحتنا لك - ابنتنا الكريمة - ثالثًا: أن تُبادري بالتوبة كلَّما زلّت قدمُك وضعفت نفسك فوقعت في الذنب مرة ثانية، فإن الإنسان المؤمن لا يزال في هذه الحياة مُعرّضًا للفتن والابتلاءات والاختبارات، والإنسان كما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ ‌خُلِقَ ‌مُفَتَّنًا تَوَّابًا نَسَّاءً، إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ)، فهذه أوصاف ملازمة لهذا الإنسان، أنه مُعرَّضٌ للاختبار والامتحان دائمًا، وأنه ينسى فيقع في الذنب والمعصية، وأنه مع ذلك توّاب، فينبغي أن يرجع كلَّما زلت قدمه.

وقد بشّرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي الذي في الصحيحين بأن الإنسان إذا سلك هذا الطريق، فهو يتوب كلما وقع في الذنب، فإن الله تعالى يغفر له: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا ‌يَغْفِرُ ‌الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا ‌يَغْفِرُ ‌الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا ‌يَغْفِرُ ‌الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ. قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى: لَا أَدْرِي أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ».

فنصيحتنا لك ألَّا تسمحي لهذا الشعور من الهمِّ والقلق والحزن واليأس أن يُسيطر على قلبك؛ فإنها وساوس شيطانية، يحاول أن يُفسد عليك حياتك وينغص عليك عيشك، ويُدخل الأحزان والأكدار إلى قلبك، فقد قال الله عنه: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا}.

فلا تسمحي لهذا الهمِّ كله أن يتسرّب إلى قلبك، اجعلي همّك وهمّتك في تحقيق التوبة إذا أذنبت، واجتهدي في دراستك بقدر استطاعتك، وفوضي الأمور إلى الله سبحانه وتعالى، وكوني راضيةً بما يُقدّره الله تعالى لك، فالله أعلم بما يُصلحك.

احرصي على النفع والخير والصلاح، اجتهدي بقدر استطاعتك، وخذي بالأسباب المشروعة للوصول إلى الأهداف الكبيرة والنبيلة، واعلمي أن الله تعالى لن يُضيّعك.

رابعًا: ننصحك - ابنتنا الكريمة - بأن تكوني جادّة في الأخذ بالأسباب التي تُعينك على الثبات على التوبة والاستمرار عليها، وأهمُّ ذلك الصحبة الصالحة، فحاولي أن تتعرّفي إلى الفتيات الطيبات والنساء الصالحات، فتتواصلي معهنَّ، وتُمضي أوقاتك التي تُمضينها في التواصل معهنَّ؛ فإنهنَّ خيرُ ما يعينك على اجتناب المحرمات، وملء الأوقات بما يعود عليك بالنفع والصلاح في الدين والدنيا.

خامسًا: احرصي - ابنتنا الكريمة - على أن يكون استعمالك لأجهزة التواصل - تليفونًا أو غيره - احرصي على أن يكون ذلك بحضور أفراد أسرتك - أُمِّك، أبوكِ، إخوانك، أيًّا كان - احرصي ألَّا تنفردي بالهاتف أو تتصفّحي منفردة؛ فإن الشيطان يدعوك ويجرّك جرًّا للوقوع في المخالفات الشرعية، فإذا عوّدت نفسك هذا السلوك، فإنك ستأمنين من شرِّه بإذن الله تعالى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسّر لك الخير ويتولى عونك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً