الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من اكتئاب شديد بسبب اضطراب في الموصلات العصبية، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب في العشرين من عمري، أعاني من اكتئاب بسبب اضطراب في الموصلات العصبية على حد وصف طبيبي الخاص، أتناول من العقاقير ديباكين كرونو، وفافرين، واولابكس، والمشكلة في أن كل هذه العقاقير كانت تتسبب في نومي في المحاضرات، مما يعرضني لألسنة أساتذتي التي لا ترحم، وعطلتني كثيراً عن أداء مهامي، وخصوصا أني أعمل بجانب الدراسة.

ولهذا توقفت عن الدواء بشكل تدريجي؛ حيث أنني وجدت أنه لا يجدي نفعاً، على الرغم من أني استمررت في تناوله لمده 3 أشهر، حيث إن الإحساس بالفشل والإحباط والكآبة المستمرة لم يتلاش، وتطور الأمر معي حتى عاودتني ميولي الانتحارية.

أنا غير راض عن كليتي، ولا عن قسمي، ولا عن أساتذتي، بداخلي طاقه تحرقني في اليوم ألف مرة، حتى أنني أتعمد إيذاء نفسي، وأقضم أظافر يدي وقدمي حتى تدمي، أو أنزعها تماما بأسناني، وكذلك أنا دائم العض على أناملي وشفتي، ولا أشعر أن لي مستقبلا، رغم أني في كليه التربية قسم اللغة الإنجليزية، ولكن تأتي علي أوقات تكون فيها خططي للحياة في أوجها، وآليات تنفيذها أيضا محددة، ولكن ما هي إلا أيام قليلة حتى أعود إلى حالتي، وفي أثناء هذه الحالة أشعر أن الأفكار كالرصاص في رأسي لا ترحمني، ولا أستطيع حتى أن أفند أياً منها ولا أن أحدد أبعادها، حتى أني أحيانا أشعر أني أريد الصراخ والجري بسرعة، فأنزل الشارع وأجري حتى تدمي قدماي.

وزني دائما في ازدياد، وتنتابني حالات من الشره في الطعام، وحالات أخرى لا أتناول الطعام أبداً طوال اليوم، وحالة الكآبة الداخلية التي تعتريني لا يمكنني التغلب عليها، مع العلم أني كانت لي تجربة انتحار سابقة حيث أنني شربت زجاجة بيتادين.

الحزن العميق داخلي يجعلني لا أستمتع بالحياة، مررت بتجربة إلحاد كنت فيها سيئ الأدب مع الله إلى أقصي حد، أنا أحمل مشاعر سلبية تجاه المجتمع والناس وحتى تجاه أقرب الناس إلي، فعلاقتي مع أبي سطحيه جدا، لا لشيء إلا لأنه لا يفهمني بسبب مستواه التعليمي، وبالنسبة لأمي فإن علاقتي بها عميقة لا لشيء، إلا لأنني لا أجد شخصا آخر يمكن أن أقاسمه ما أنا فيه.

أنا شارفت علي الجنون في هذه الأيام، وبما أنها إجازة أصبحت أتناول حبات العقاقير بشكل هستيري حتى أنام، فالألم النفسي داخلي، وتصارع الأفكار لا يجعلان للاستيقاظ معنى.

أكتب الشعر، ومقالات في الأدب والدين، والسياسة، ومثقف، وقارئ، ولدي مكتبة كبيرة، ومدونة، ولكن عقلي يحمل الكثير، ولا أستطيع إنتاج هذه الأفكار، وأصبحت فاقداً للقدرة علي القراءة بسبب ما أتعرض له من حالة تجعلني واهناً إلي درجة لا أستطيع حمل القلم فيها للكتابة.

آسف على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبارك الله فيك على رسالتك، ونحن نتقبلها بكل صدر رحب، ورسالتك ليست طويلة، إنما هي تعبير كامل عن مشاعرك.

أقول: أولاً: يجب أن نحدد التشخيص بالنسبة لحالتك، ولا يمكن تأكيده إلا من خلال مقابلة الطبيب والجلوس معه، وربما تحتاج لأكثر من مقابلة.

الطبيب الذي ذكر لك أنك تعاني من اكتئاب ربما يكون محقًّا في ذلك، ولا بد أن تكون له معايير وأسس على ضوئها قام بوضع التشخيص، ومن ثم أعطاك العلاج اللازم.

عقار دباكين كرونو الذي وُصف لك يستعمل في بعض حالات الاكتئاب، ولكنه يستعمل أكثر كمثبت للمزاج، وما دام الطبيب قد وصفه لك فأنا أعتقد أن تقدير الطبيب أنه ربما نوعية الاكتئاب الذي تعاني منه هو إما اكتئاب غير مطبق أو اكتئاب ثنائي القطبية، أو شيء من هذا القبيل. فأنا أنصحك حقيقة أن تراجع الطبيب.

التوقف عن الدواء دون مشورة الطبيب ليس أمرًا صحيحًا، أقول هذا الكلام مع احترامي الشديد لمشاعرك، وأنا أعرف أن الناس كثيرًا ما تتضايق من هذه الأدوية، لكن هذه الأدوية مهمة لأنها على الأقل سوف تمنع التدهور في الحالة النفسية للإنسان، هذا في أبسط الأحوال، والمرجو منها بالطبع أن تساعد في التحسن، فدرجة الانفعالات التي لديك الآن والأفكار الانتحارية وخلافها، أعتقد أن هذه تحتاج إلى مساعدة علاجية دوائية، وتوجد بدائل دوائية كثيرة جدًّا، هنالك أدوية ممتازة من مثبتات المزاج مثل كربونات الليثيوم، وهنالك دواء آخر يعرف باسم (إبليفاي) هذه الأدوية لا تسبب النعاس، إنما تجدد الطاقات بصورة إيجابية جدًّا.

فيا أخي الكريم: أنا أعتقد أن الحل الأساسي والضروري لموضوعك هو أن ترجع إلى الطبيب وأن تحاوره وأن تطرح له رؤيانا هذه التي ذكرناها لك، وأنا متأكد أنك سوف تجد كل العناية والتقدير من جانبه.

الأمر الآخر: الإنسان حين تتطاير أفكاره وتتداخل ويكون هنالك تأثير سلبي على مزاجه ينظر للأمور بتشاؤم كثير جدًّا، لكني أنا أريدك أن تغير هذه النظرة، فأنت لديك إيجابيات كثيرة الحمد لله تعالى، فأنت في بدايات الشباب، طالب جامعي، لديك أسرة، هنالك أشياء طيبة وجميلة يمكن أن تبني عليها ومن خلال التفكير الإيجابي، وإن شاء الله تعالى سوف تجد أن الأمور قد تحسنت.

الإنسان دائمًا يتحرك من خلال ثلاثة أشياء (التفكير، والشعور، والسلوك/الأفعال) والإنسان إذا رأى أي خلل في أحد هذه الثلاثة لا بد أن يصحح ذلك، وإذا صحح الإنسان أحد هذه المحاور فقط سوف يكون هنالك عائد إيجابي عظيم جدًّا على المحورين الآخرين.

فيا -أخي الكريم-: يمكنك أن تسعى بجدية صارمة لأن تحكم على نفسك بأفعالك، وليس بمشاعرك.

حاول أن تطبق، أن تنفذ، أن تعمل، أن تدرس، أن تعلم، أن تصر، أن تكافح، هذا في نهاية الأمر ينتج عنه تغيرات كبيرة جدًّا في السلوك وكذلك في المشاعر وفي التفكير.

أنت الحمد لله تعالى لك مقدرات، فأنت تكتب الشعر، ولك مقالات في الأدب والدين والسياسة، ومثقف وقارئ، ولديك مكتبة، هذا رصيد إيجابي أساسي، فما الذي يجعلك تيأس؟ ما الذي يجعلك تفكر في الانتحار؟ فأرجو -أخي الكريم- أن تغير فكرك، وأعتقد أن لديك فرصة عظيمة جدًّا لأن تكون أكثر إيجابية.

نحن الآن في شهر التوبة والغفران، وفي شهر رمضان، فأكثر من الاستغفار، وعليك بالدعاء، وعليك بالذكر وقراءة القرآن، واسع لأن تكون بارًا بوالديك، فهذا يفتح عليك خيري الدنيا والآخرة، هذه مسارات لا بد أن تصححها، هذه أخطاء لا بد أن تتجنبها، والإنسان إذا لم يبدأ بتغيير نفسه يجب أن لا يطالب الآخرين بأن يتغيروا.

أنصحك مرة أخرى بالذهاب لمقابلة الطبيب، وأبشرك بأنه توجد خيارات علاجية دوائية كثيرة جدًّا، وأنا أعطيتك بعض الأمثلة البسيطة لذلك.

أسأل الله لك العافية والصحة، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب، وكل عام وأنتم بخير.

وللفائدة راجع هذه الاستشارات عن:

تحريم الانتحار 262983 - 110695 - 262353 - 230518.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً