الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات لفتاة تعاني وحدتها في تدينها وفقد مصادر الحنان في الأسرة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.
بصراحة لم أعرف أين أكتب مشكلتي، ولكن المهم أن أجد جواباً مريحاً لما أشعر به من ألم وضيق في نفسي، وجزاكم الله الف خير.

أنا فتاة في (18) من عمري وفي آخر سنة في الثانوية العامة، وقد توفي أبي الحبيب عندما كنت في 4 من العمر وتركنا مع أمي ونحن صغار وكلنا لا نذكر عنه أي شيء.

المهم: مرت الأيام والسنون وها قد كبرت وهداني الله عز وجل للصلاة والقرآن، والحمد لله على هذه النعمة، ولكن أنا أشعر بحزن شديد جداً لأن أفراد أسرتي جميعاً لا يصلون ولا يهتمون لأمر الدين، ودائماً ما يقولون عني: معقدة لأني متدينة، وأنا دائماً أحزن لشدة وحدتي لأن أمي مريضة نفسياً ولا أجد معها راحتي، بل أجد أشد العذاب وهي ترفض الصلاة وترفض العلاج وكل شيء.

أما أختي الكبرى فهي مريضة نفسياً بانفصام الشخصية وتأخذ العلاج منذ زمن.

أخي شاب دائم الخروج مع الأصحاب وغير ملتزم أبداً، أما أختي القريبة من سني فهي تصلي إذا أرادت وتترك الصلاة إذا ملت والعياذ بالله، ودائماً ما تحدث الشباب بالهاتف الخاص.

ونحن وإن كنا في نفس السن تقريباً ولكننا غير متعودين على الحديث كأخوات متقاربات، أي أنني أحبها وهي كذلك، لكن أسلوب الثقة لا يوجد بيننا أبداً، وكذلك البقية.

أنا متعبة جداً جداً وحساسة جداً مع الكل، ودائماً ما أبكي وأشعر بعدم الثقة في نفسي وعدم الرضا كذلك.
أنا أحب الله حبّاً عظيماً وأحب الخير لكل الناس، فكيف بأهلي؟!

اشتقت لوالدي شوقاً لا يعلمه إلا الله عز وجل، وأشعر بالوحدة من بعد وفاة جدتي التي كانت تشعرني بعوض عن الدنيا كلها.

وأنا الآن أبحث عمن يحبني ويقدم لي العون والتعويض النفسي، ولكن وإن كان في الدنيا أناس طيبون فمن سيعوضني عن مكانة أمي التي أشتاق إليها وهي بجانبي وعن أبي الحبيب؟

آسفة على الإطالة مع أني أرغب بكتابة الكثير من الأمور، ولكن حاولت قدر الإمكان ذكر الخلاصة
والسلام عليكم ورحمة الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / ريم حفظها الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بدايةً -الأخت الكريمة ريم- يسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، وأرجو أن تقبلينا إخواناً لك في الله، نقدم لك ما يمكن تقديمه من مساعدة تعينك على طاعة الله ورسوله، وتساعدك في التغلب على وحدتك التي تعانين منها، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، ونحن دائماً على استعدادٍ لتلقي أي سؤال أو استفسار، أو طرح أي مشكلة لديك، وستجدينا جميعاً في الاستشارات في انتظارك، فلا تترددي في الكتابة إلينا في أي وقت، وفي أي موضوع، وإذا كنت ترغبين في أن تكون إجابتنا لك خاصة فلا مانع لدينا أيضاً، فالإخوة هنا دائماً في خدمة الجميع، وأما بخصوص مشكلتك فهي -حقّاً- من المشاكل المعقدة، ولكن من رحمة الله بك ومحبته لك أن هداك للطاعة، وأعانك على الصلاة، وحبب إليك الإيمان، وهذه حقيقة من أعظم النعم وأجلها، وكلما زاد تعلقك بالله وطاعتك له فستجدين حلاوةً تغنيك عن جميع الناس، ولن تشعري بوحشة أو وحدة، فواصلي القرب منه سبحانه، وأكثري من طاعته ودعائه ومناجاته، وسيكون خير عوض لك عن أبيك وأمك وأخواتك وأخيك، وستكونين من أسعد الناس في الدنيا والآخرة، وواصلي نصح أختك الصغيرة، وذكريها دائماً بالله، وحذريها من عقابه، وبيني لها أن الاتصال بالشباب خطر عظيم، وله مفاسد لا تعد ولا تحصى، وحاولي أن تتوددي إليها بالهدية الجميلة، أو الكلمة الطيبة، أو الشريط الإسلامي المؤثر، حتى تكون عوناً لك على طاعة الله؛ لأن الإنسان قليل بنفسه، كثيرٌ بإخوانه، وسيدنا موسى عليه السلام طلب من ربه أن يعينه بأخيه هارون عليه السلام، فواصلي المسيرة، وأقبلي على الله، واتصلي بنا كلما شعرت بالحاجة إلى ذلك، ومع السلامة، والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.

=========================

وبعد استشارة المستشار النفسي أفاد بالتالي:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيراً، نقول لك أيتها الابنة العزيزة: إنه من الواضح أنك تتمتعين بمقدرات كبيرة، وبالرغم من السلبيات الموجودة في المحيط الأسري؛ إلا أن تفهمك للأمر ووجود الدافعية لديك من أجل مساعدة الآخرين يعتبر في حد ذاته إنجازاً عظيماً، أنت مطالبة بأن تنظري دائماً للأمور من الزاوية الإيجابية، وإذا عشت هذا الشعور الإيجابي سوف يمثل الطاقة الأساسية من أجل استمرارك في تفوقك ومساعدة أسرتك.

إن الشخص الذي يوضع في مثل موقفك كأن الله عز وجل قد اختاره ليلعب دوراً فعالاً في الحياة، ومن وجهة نظري أرى أن ذلك ينطبق عليك، إن تمسكك بدينك هو أسمى ما يبحث عنه ويفتقده الكثيرون، ولا تنزعجي أبداً حين تشعرين أنه لا يوجد من يحبك، فربما يوجد الكثير من الناس لديهم مشاعر إيجابية نحوك، ولكن لا يظهرون ذلك، وفوق ذلك تكفيك محبة الله وعنايته عن حب الآخرين إذا وجد أم لم يوجد، إن شعورك بالحزن نحو غير المهتدين من أسرتك لهو شعور جميل، وعليك أن تواصلي جهدك في هذا السياق، واحتسبي الأجر عند الله، والإنسان لا يهدي من أحبب ولكن الله يهدي من يشاء، وما دامت أختك مصابة بمرض الفصام، وكذلك أمك مريضة نفسياً؛ فأمرهما متروك لله تعالى من ناحية التكاليف الشرعية.

أنت الآن في مرحلة دراسية هامة، وعليك أن توجهي كل طاقاتك وانفعالاتك نحو ذلك، حيث إن نجاحك في دراستك سيكون دافعاً لك في مساعدة أسرتك، كما أنه يفيدك في بناء شخصيتك وتطوير ذاتك.

أنت بخير إن شاء الله، ويجب ألا تخفضي من تقدير ذاتك، وأنا أرى أنه بإذن الله أمامك أيام جميلة، ومستقبل باهر، وفرصة للانطلاق الصحيح إذا وجهت طاقاتك.

بالنسبة لوفاة والدك وأنت في سن صغير، ووفاة جدتك في وقت لاحق: لا شك أن الحزن مشاعر إنسانية، لا ننصح للإنسان أن يكبتها، ولكن الصبر والتجلد والدعاء لهم بالرحمة هو خير ما ننصح به، وفقدان مثل هؤلاء الأعزاء يمكنك أن تجعلي منه انطلاقة إيجابية في حياتك أيضاً، وتعتمدي على نفسك، وتشقّي طريقك نحو النجاح والفلاح، نسأل الله تعالى أن يتغمد والدك وجدتك برحمته.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً