الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1716 1717 - مالك ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ، فحلبت فشرب حلابها ، ثم أخرى فشربه ، ثم أخرى فشربه ، حتى شرب حلاب سبع شياه ، ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ، فحلبت فشرب حلابها ، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن يشرب في معى واحد ، والكافر يشرب في سبعة أمعاء " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        39553 - قال أبو عمر : هذا الحديث ليس على ظاهره لأن المشاهدة تدفعه ، والمعاينة ترده ، والخبر يشهد بأن الكافر يسلم وأكله كما كان ، وشربه وقد نزه الله [ ص: 264 ] رسوله عن أن يخبر بخبر فيؤخذ المخبر عنه على خلاف ذلك ، هذا ما لا يشك فيه [ مؤمن ، ولكنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن ذلك الضيف بخبر كان على ما أخبر لا شك فيه ] كأنه قال : هذا الضيف إذ كان كافرا ، أكل في سبعة أمعاء ، فلما أسلم بورك له في إسلامه ، فأكل في معى واحد ، يريد أنه كان أكله عنده قبل أن يسلم سبعة أمثال ما أكل عنده لما أسلم إما لبركة التسمية التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشبعه الله - عز وجل - ، بحلاب تلك الشاة وما وضع له فيها من البركة ما يكون له برهانا وآية ليرسخ الإيمان في نفسه ، وذلك - والله أعلم - لما علم الله تعالى من قلة الطعام يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولتكون آية لذلك الرجل ، فأراه الله في نفسه آية في إيمانه ليزداد يقينا ، ونحو هذا مما يعلم من آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا في بركة الطعام الذي أكل منه العدد الكثير ، فشبعوا ، وهو قوت واحد أو اثنين ، وآياته وعلاماته في مثل ذلك كثيرة ، قد ذكرنا منها في مواضع من " التمهيد " ما يشفي الناظر ، ويزيد في يقين المؤمن ، - والحمد لله كثيرا .

                                                                                                                        39554 - وهذا كله يدل على أن لفظ هذا الحديث خرج مخرج العموم ، ومعناه الخصوص ، وهو [ موجود ] في لغة العرب قال الله - عز وجل - ( الذين قال لهم الناس ( [ آل عمران : 173 ] .

                                                                                                                        39555 - ومعلوم أن الناس كلهم ( قد جمعوا لكم ( [ 173 : آل عمران ] .

                                                                                                                        [ ص: 265 ] 39556 - وقد قيل إن المخبر القائل ذلك القول ، كان رجلا واحدا .

                                                                                                                        39557 - وقد يسمع السامع قولا فيتناوله على العموم ، ولم يرد به المخبر إلا الخصوص ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " إنما الربا في النسيئة " .

                                                                                                                        39558 - وهذا كان منه جوابا لسائل سأله عن ذهب وفضة ، أو ما كان مثلهما مما حرم فيه الربا من جنسين مطعومين ، فأجابه أنه لا ربا إلا في النسيئة ، يعني فيما سألت عنه .

                                                                                                                        39559 - وقد روي في هذا الباب حديث فيه دلالة على أنه أريد بذلك رجل بعينه .

                                                                                                                        39560 - حدثني سعيد بن نصر قال : حدثني قاسم بن أصبغ قال : حدثني محمد بن وضاح قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثني زيد بن الحباب قال : حدثني موسى بن عبيدة قال : حدثني عبيد الله بن سلمان الأغر ، عن عطاء بن يسار ، عن جهجاه الغفاري ، أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام ، فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ، فلما سلم قال : " ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه " . فلم يبق في المسجد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيري ، وكنت رجلا عظيما طوالا ، لا يقدم علي أحد ، فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله ، فحلب لي عنزا ، فأتيت عليها ، ثم [ حلب لي ] أخرى ، فأتيت عليها ، حتى [ ص: 266 ] حلب لي سبعة أعنز ، فأتيت عليها ، ثم أتيت بثومة فأتيت عليها ، فقالت أم أيمن : أجاع الله من أجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مه يا أم أيمن ، أكل رزقه ، ورزقنا على الله - عز وجل - " . وذكر الحديث .

                                                                                                                        39561 - وفيه أنه أسلم ، ثم ذهب به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وتركه أصحابه لطول جسمه وعظمه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحلبت له عنز واحدة ، فشربها ، فروي قال : فرويت فشبعت فقالت أم أيمن : يا رسول الله ، أليس هذا ضيفنا ؟ فقال : " بلى " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه أكل في معى مؤمن الليلة ، وأكل في معى كافر ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل في معى واحد " يريد ذلك الرجل بعينه - والله أعلم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية