الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 175 ] وقولهم : حديث حسن الإسناد أو صحيحه ، دون قولهم : حديث صحيح أو حسن : لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد دون المتن لشذوذ أو علة ، فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد فالظاهر صحة المتن وحسنه ، وأما قول الترمذي وغيره : حديث حسن صحيح ، فمعناه روي بإسنادين ، أحدهما يقتضي الصحة ، والآخر الحسن .

        [ ص: 175 ]

        التالي السابق


        [ ص: 175 ] ( وقولهم ) أي الحفاظ هذا ( حديث حسن الإسناد أو صحيحه دون قولهم حديث صحيح أو حسن لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد ) لثقة رجاله ( دون المتن لشذوذ أو علة ) وكثيرا ما يستعمل ذلك الحاكم في مستدركه .

        ( فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد ) ولم يذكر له علة ولا قادحا ( فالظاهر صحة المتن وحسنه ) لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر .

        قال شيخ الإسلام : والذي لا شك فيه أن الإمام منهم لا يعدل عن قوله : صحيح إلى قوله : صحيح الإسناد إلا لأمر ما .

        ( وأما قول الترمذي وغيره ) كعلي بن المديني ويعقوب بن شيبة هذا ( حديث حسن صحيح ) وهو مما استشكل ؛ لأن الحسن قاصر عن الصحيح فكيف يجتمع إثبات القصور ونفيه في حديث ، ( فمعناه ) أنه ( روي بإسنادين : أحدهما يقتضي الصحة والآخر يقتضي الحسن ) فصح أن يقال فيه ذلك ، أي حسن باعتبار إسناد ، صحيح باعتبار آخر .

        قال ابن دقيق العيد : يرد على ذلك الأحاديث التي قيل فيها ذلك مع أنه ليس [ ص: 176 ] لها إلا مخرج واحد ، كحديث خرجه الترمذي من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة : " إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا " ، وقال فيه : حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ، وأجاب بعض المتأخرين : بأن الترمذي إنما يقول ذلك مريدا تفرد أحد الرواة عن الآخر لا التفرد المطلق .

        قال : ويوضح ذلك ما ذكره في الفتن من حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة يرفعه : " من أشار إلى أخيه بحديدة " الحديث . قال فيه : حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، فاستغربه من حديث خالد لا مطلقا .

        قال العراقي : وهذا الجواب لا يمشي في المواضع التي يقول فيها : لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، كالحديث السابق .

        وقد أجاب ابن الصلاح بجواب ثان هو : أن المراد بالحسن اللغوي دون الاصطلاحي ، كما وقع لابن عبد البر حيث روى في كتاب العلم حديث معاذ بن جبل مرفوعا : " تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة " الحديث بطوله ، وقال هذا حديث حسن جدا ، ولكن ليس له إسناد قوي .

        [ ص: 177 ] فأراد بالحسن حسن اللفظ ؛ لأنه من رواية موسى البلقاوي وهو كذاب ينسب إلى الوضع عن عبد الرحيم العمي ، وهو متروك .

        وروينا عن أمية بن خالد قال : قلت لشعبة تحدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي وتدع عبد الملك بن أبي سليمان - وقد كان حسن الحديث - فقال : من حسنها فررت ، يعني أنها منكرة .

        وقال النخعي : كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن ما عنده ، قال السمعاني : عنى بالأحسن الغريب ، قال ابن دقيق العيد : ويلزم على هذا الجواب أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن ، وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا جروا على اصطلاحهم .

        قال شيخ الإسلام : ويلزم عليه أيضا ، أن كل حديث يوصف بصفة فالحسن تابعه ، فإن كل الأحاديث حسنة اللفظ بليغة المعاني ، ولما رأينا الذي وقع له هذا كثير الفرق ، فتارة يقول : حسن فقط ، وتارة : صحيح فقط ، وتارة : حسن صحيح ، وتارة : صحيح غريب ، وتارة : حسن غريب ، فعرفنا أنه لا محالة جار مع الاصطلاح ، مع أنه قال في آخر الجامع : وما قلنا في كتابنا " حديث حسن " فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا ، فقد صرح بأنه أراد حسن الإسناد فانتفى أن يريد حسن اللفظ .

        [ ص: 178 ] وأجاب ابن دقيق العيد بجواب ثالث : وهو أن الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة إلا حيث انفرد الحسن ، أما إذا ارتفع إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة ؛ لأن وجود الدرجة العليا وهي الحفظ والإتقان لا ينافي وجود الدنيا كالصدق ، فيصح أن يقال حسن باعتبار الصفة الدنيا صحيح باعتبار العليا ، ويلزم على هذا أن كل صحيح حسن ، وقد سبقه إلى نحو ذلك ابن المواق .

        قال شيخ الإسلام : وشبه ذلك قولهم في الراوي : صدوق فقط وصدوق ضابط ، فإن الأول قاصر عن درجة رجال الصحيح ، والثاني منهم ، فكما أن الجمع بينهما لا يضر ولا يشكل ، فكذلك الجمع بين الصحة والحسن .

        ولابن كثير جواب رابع وهو : أن الجمع بين الصحة والحسن درجة متوسطة بين الصحيح والحسن ، قال : فما يقول فيه حسن صحيح أعلى رتبة من الحسن ودون الصحيح .

        قال العراقي : وهذا تحكم لا دليل عليه ، وهو بعيد . ولشيخ الإسلام جواب خامس وهو : التوسط بين كلام ابن الصلاح وابن دقيق العيد فيخص جواب ابن الصلاح بما له إسنادان فصاعدا ، وجواب ابن دقيق العيد بالفرد .

        [ ص: 179 ] قال : وجواب سادس وهو : الذي أرتضيه ولا غبار عليه ، وهو الذي مشى عليه في النخبة وشرحها : أن الحديث إن تعدد إسناده فالوصف راجع إليه باعتبار الإسنادين أو الأسانيد ، قال : وعلى هذا فما قيل فيه ذلك فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا ؛ لأن كثرة الطرق تقوي ، وإلا فبحسب اختلاف النقاد في راويه ، فيرى المجتهد منهم بعضهم يقول فيه : صدوق ، وبعضهم يقول فيه : ثقة ، ولا يترجح عنده قول واحد منهما أو يترجح ، ولكنه يريد أن يشير إلى كلام الناس فيه ، فيقول ذلك ، وكأنه قال : حسن عند قوم صحيح عند قوم .

        قال : وغاية ما فيه أنه حذف منه حرف التردد ؛ لأن حقه أن يقول حسن أو صحيح . قال : وعلى هذا ما قيل فيه حسن صحيح دون ما قيل فيه صحيح ؛ لأن الجزم أقوى من التردد . انتهى .

        وهذا الجواب مركب من جواب ابن الصلاح وابن كثير .




        الخدمات العلمية