الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1380 ) مسألة : قال : ( وإن صلوا الجمعة قبل الزوال في الساعة السادسة ، أجزأتهم ) وفي بعض النسخ ، في الساعة الخامسة . والصحيح في الساعة السادسة . وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز صلاتها فيما قبل السادسة . وروي عن ابن مسعود ، وجابر ، وسعيد ، ومعاوية ، أنهم صلوها قبل الزوال . وقال القاضي ، وأصحابه : يجوز فعلها في وقت صلاة العيد .

                                                                                                                                            وروى ذلك عبد الله ، عن أبيه ، قال : نذهب إلى أنها كصلاة العيد . وقال مجاهد : ما كان للناس عيد إلا في أول النهار . وقال عطاء : كل عيد حين يمتد الضحى ; الجمعة ، والأضحى ، والفطر ; لما روي عن ابن مسعود ، أنه قال : { ما كان عيد إلا في أول النهار ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 105 ] يصلي بنا الجمعة في ظل الحطيم } . رواه ابن البختري في " أماليه " بإسناده .

                                                                                                                                            وروي عن ابن مسعود ، ومعاوية ، أنهما صليا الجمعة ضحى ، وقالا : إنما عجلنا خشية الحر عليكم . وروى الأثرم حديث ابن مسعود . ولأنها عيد فجازت في وقت العيد ، كالفطر والأضحى والدليل على أنها عيد قول النبي صلى الله عليه وسلم : { إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين } . وقوله : { قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان } .

                                                                                                                                            وقال أكثر أهل العلم : وقتها وقت الظهر ، إلا أنه يستحب تعجيلها في أول وقتها ; لقول سلمة بن الأكوع : { كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ، ثم نرجع نتبع الفيء } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وقال أنس : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس } . رواه البخاري . ولأنهما صلاتا وقت ، فكان وقتهما واحدا ، كالمقصورة والتامة ، ولأن إحداهما بدل عن الأخرى ، وقائمة مقامها ، فأشبها الأصل المذكور ، ولأن آخر وقتهما واحد ، فكان أوله واحدا ، كصلاة الحضر والسفر . ولنا ، على جوازها في السادسة السنة والإجماع ; أما السنة فما روى جابر بن عبد الله ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي - يعني الجمعة - ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حتى تزول الشمس . } أخرجه مسلم .

                                                                                                                                            وعن سهل بن سعد ، قال : { ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } . متفق عليه . قال ابن قتيبة : لا يسمى غداء ، ولا قائلة بعد الزوال . وعن سلمة ، قال : { كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ، ثم ننصرف وليس للحيطان فيء . } رواه أبو داود .

                                                                                                                                            وأما الإجماع ، فروى الإمام أحمد عن وكيع ، عن جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجاج ، عن عبد الله بن سيدان ، قال : شهدت الخطبة مع أبي بكر ، فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار ، وشهدتها مع عمر بن الخطاب ، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار ، ثم صليتها مع عثمان بن عفان ، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد زال النهار ، فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره .

                                                                                                                                            قال : وكذلك روي عن ابن مسعود ، وجابر ، وسعيد ، ومعاوية ، أنهم صلوا قبل الزوال ، وأحاديثهم تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها بعد الزوال في كثير من أوقاته ، ولا خلاف في جوازه ، وأنه الأفضل والأولى ، وأحاديثنا تدل على جواز فعلها قبل الزوال ، ولا تنافي بينهما .

                                                                                                                                            وأما في أول النهار ، فالصحيح أنها لا تجوز ، لما ذكره أكثر أهل العلم ، ولأن التوقيت لا يثبت إلا بدليل ، من نص ، أو ما يقوم مقامه ، وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه ، أنهم صلوها في أول النهار ، ولأن مقتضى الدليل كون وقتها وقت الظهر ، وإنما جاز تقديمها عليه بما ذكرنا من الدليل ، وهو مختص بالساعة السادسة ، فلم يجز تقديمها عليها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            ولأنها لو صليت في أول النهار لفاتت أكثر المصلين ، فإن العادة اجتماعهم لها عند الزوال ، وإنما يأتيها ضحى آحاد من الناس ، وعدد يسير ، كما روي عن ابن مسعود أنه أتى الجمعة ، فوجد أربعة قد سبقوه ، فقال : رابع أربعة ، وما رابع أربعة ببعيد .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فالأولى أن لا تصلى إلا بعد الزوال ; ليخرج من الخلاف ، ويفعلها في الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها فيه في أكثر أوقاته ، ويعجلها في أول وقتها في الشتاء والصيف ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجلها ، بدليل الأخبار التي رويناها ، ولأن الناس يجتمعون لها في أول وقتها ، ويبكرون إليها قبل وقتها ، فلو انتظر الإبراد بها لشق على الحاضرين ، وإنما جعل الإبراد بالظهر في شدة الحر دفعا للمشقة التي يحصل أعظم منها بالإبراد بالجمعة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية