الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما فرغ من آية اشترك فيها الخافقان ، ذكر ما تتفرد به الأرض ، لأنها أقرب إليهم وهم بحقيقتها وما بسواه من أحوالها أعلم منهم بالأمور السماوية ، تعديدا للبراهين الدالة على تفرده بالفعل الدال على تفرده بالإلهية ، فقال مبدلا من أمن خلق أمن أي : أم فعل ذلك الذي جعل الأرض قرارا أي : مستقرة في نفسها ليقر عليها غيرها ، وكان القياس يقتضي أن تكون هاوية أو مضطربة كما يضطرب ما هو معلق في الهواء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر قرارها ، أتبعه دليله في معرض الامتنان فقال : [ ص: 189 ] وجعل خلالها أي : في الأماكن المنفرجة بين جبالها أنهارا أي : جارية على حالة واحدة ، فلو اضطربت الأرض أدنى اضطراب ، لتغيرت مجاري المياه بلا ارتياب.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر الدليل ، ذكر سبب القرار فقال : وجعل لها رواسي أي : كمراسي السفن ، كانت أسبابا في ثباتها على ميزان دبره سبحانه في مواضع من أرجائها بحيث اعتدلت جميع جوانبها فامتنعت من الاضطراب.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أثبت القرار وسببه ، وكان قد جعل سبحانه للأنهار طرقا تتصرف [فيها] ولو حبسها عن الجري شيء لأوشك أن تستبحر ، فيصير أكثر الأرض لا ينتفع به في سير ولا نبات ، أو أن تخرق ذلك الحابس بما لها من قوة الجري وشدة النفوذ بلطافة السريان ، لأن من عادة المياه التخلل بين أطباق التراب والتغلغل بما لها من اللطافة والرقة ، والثقل في الأعماق ولو قليلا قليلا ، وكان سبحانه قد سد ما بين البحرين : الرومي والفارسي ، وكان ما بينهما من الأرض إنما هو يسير جدا في بعض المواضع ، وكان بعض مياه الأرض عذبا ، وبعضه ملحا ، مع [ ص: 190 ] القرب جدا من ذلك العذب ، سألهم - تنبيها لهم على عظيم القدرة - عن الممسك لعدوان أحدهما على آخر ، ولعدوان كل من خليجي الملح على ما بينهما لئلا يخرقاه فيتصلا فقال : وجعل بين البحرين حاجزا أي : يمنع أحدهما أن يصل إلى الآخر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان من المعلوم أنه الله وحده ليس عند عاقل شك في ذلك ، كرر الإنكار في قوله : أإله مع الله أي : المحيط علما وقدرة ، ولما كان الجواب الحق قطعا : لا ، وكان قد أثبت لهم في الإضراب الأول علما من حيث الحكم على المجموع ، وكان كل منهم يدعي رجحان العقل ، وصفاء الفكر ، ورسوخ القدم في العلم بما يدعيه [العرب] ، قال : بل أكثرهم أي : الخلق الذين ينتفعون بهذه المنافع لا يعلمون أي : ليس لهم نوع من العلم ، بل هم كالبهائم لإعراضهم عن هذا الدليل الواضح.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية