الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  20732 أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن زياد بن جيل عن [ ص: 354 ] أبي كعب الحارثي - وهو ذو الإداوة - قال : سمعته يقول : " خرجت في طلب إبل لي ضوال ، فتزودت لبنا في إداوة ، قال : ثم قلت في نفسي : ما أنصفت ، فأين الوضوء ، فأهرقت اللبن وملأتها ماء ، فقلت : هذا وضوء وهذا شراب ، قال : فلبثت أبغي إبلي ، فإذا أردت أن أتوضأ اصطببت من الإداوة ماء فتوضأت ، وإذا أردت أن أشرب اصطببت لبنا فشربته ، فمكثت بذلك ثلاثا ، قال : فقالت له أسماء النجرانية : يا أبا كعب ، أقطيبا كان أم حليبا ؟ قال : قلت : إنك لبطالة ، كان يعصم من الجوع ويروي من الظماء ، أما إني حدثت بهذا نفرا من قومي فيهم علي بن الحارث سيد بني فنان ، فقال : ما أظن الذي تقول كما تقول ، قال : قلت : الله أعلم بذلك ، قال : فرجعت إلى منزلي فبت ليلتي تلك ، قال : فإذا أنا به صلاة الصبح إلى بابي فخرجت إليه ، فقلت : يرحمك الله ، لم تعنيت إلي ، ألا أرسلت إلي فآتيك ؟ قال : لا ، أنا أحق بذلك أن آتيك ، ما نمت الليلة إلا أتاني آت ، فقال : أنت الذي تكذب من يحدث بأنعم الله ، قال : ثم خرجت حتى أتيت المدينة ، فأتيت عثمان فسألته عن [ ص: 355 ] شيء من أمر ديني ، قال : فقلت : يا أمير المؤمنين ، إني رجل من أهل اليمن من بني الحارث وإني أسألك عن أشياء ، فأمر حاجبك أن لا يحجبني ، قال : يا وثاب ، إذا جاءك هذا الحارثي فأذن له ، قال : فكنت إذا جئت فقرعت الباب ، قال : من ذا ؟ قال : الحارثي فيأذن لي ، قال : ادخل ، قال : فدخلت فإذا عثمان جالس وحوله نفر سكوت لا يتكلمون كأن على رءوسهم الطير ، قال : فسلمت ، ثم جلست ولم أسأله عن شيء لما رأيت من حالهم ، قال : فبينا أنا كذلك إذ جاء نفر ، فقالوا : أبى أن يجيء ، قال : فغضب وقال : أبى أن يجيء ؟ اذهبوا فجيئوا به ، فإن أبى فجروه جرا ، فمكثت قليلا ، فجاءوا فجاء معهم رجل أدم طوال ، أصلع في مقدم رأسه شعرات ، وفي قفائه شعرات ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : عمار بن ياسر ، فقال : أنت الذي يأتيك رسلنا فتأبى أن تأتيني ؟ قال : فكلمه بشيء لا أدري ما هو ، قال : ثم خرج فما زالوا ينقضون من عنده حتى ما بقي غيري ، قال : فقام ، قال : فقلت : والله لا أسأل عن هذا أحدا ، أقول : حدثني فلان حتى أرى ما يصنع ، قال : فتبعته حتى دخل المسجد ، فإذا عمار بن ياسر جالس إلى سارية وحوله نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبكون ، قال : فقال عثمان : يا وثاب علي بالشرط ، قال : فجاء الشرط ، فقال : فرقوا بين هؤلاء ، قال : ففرقوا بينهم ، قال : ثم أقيمت الصلاة ، فتقدم عثمان فصلى ، فلما كبر قامت امرأة من حجرتها فقالت : أيها الناس [ ص: 356 ] اسمعوا ، قال : ثم تكلمت فذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعثه الله به ، ثم قالت : تركتم أمر الله وخالفتم رسوله - أو نحو هذا - ثم صمتت فتكلمت أخرى مثل ذلك ، فإذا هي عائشة وحفصة قال : فلما سلم عثمان أقبل على الناس ، فقال : إن هاتان الفتانتان فتنتا الناس في صلاتهم ، وإلا تنتهيا أو لأسبنكما ما حل لي السباب ، وإني لأصلكما لعالم ، قال : فقال له سعد بن أبي وقاص : أتقول هذا لحبائب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : وفيما أنت وما هاهنا ، قال : ثم أقبل على سعد عامدا إليه ، قال : وانسل سعد فخرج من المسجد ، فلقي عليا بباب المسجد ، فقال له علي : أين تريد ؟ قال : أريد هذا الذي كذا وكذا - يعني سعدا - فشتمه فقال له علي : أيها الرجل دع هذا عنك ، قال : فلم يزل بهما الكلام حتى غضب عثمان فقال : ألست المتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك ؟ قال : فقال علي : ألست الفار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ؟ قال : ثم حجز الناس ، قال : ثم خرجت من المدينة حتى أتيت الكوفة ، فوجدتهم أيضا قد وقع بينهم شيء ونشبوا في الفتنة ، وردوا سعيد بن العاص ولم يدعوه يدخل إليهم ، قال : فلما رأيت ذلك رجعت حتى أتيت بلاد قومي " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية